٢٣٦٥ - وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن لله مائة رحمة، أنزل منها
ــ
بـ ((أن رحمتي سبقت غضبي))،شبه حكمه الجازم الذي لا يعتريه نسخ، ولا يتطرق إليه تغيير بحكم الحاكم، إذا قضى أمرا وأراد إحكامه، عقد عليه سجلا، وحفظ عنده ليكون ذلك حجة باقية، محفوظة من التبديل والتحريف. وقوله:((فوق العرش)) تنبيه علي تعظيم الأمر، وجلالة القدر، فإن اللوح المحفوظ ((تحت)) العرش، والكتاب المشتمل علي هذا الحكم فوق العرش، ولعل السبب في ذلك- والعلم عن الله تعالي- أن ما تحت العرش عالم الأسباب والمسببات، واللوح يشتمل علي تفاصيل ذلك، وقضية هذا العالم- وهو عالم العدل، وإليه أشار بقوله:((ووبالعدل قامت السموات والأرض)) –إثابة المطيع وعقاب العاصي حسب ما يقتضيه العمل، من خير أو شر، وذلك يستدعي غلبة الغضب علي الرحمة، لكثرة موجبه ومقتضيه، كما قال تعالي:} ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك علي ظهرها من دابة {فتكون سعة الرحمة وشمولها علي البرية، وقبول إنابة التائب والعفو عن المشتغل بذنبه المنهمك به، كما في قوله تعالي:} وإن ربك لذو مغفرة للناس علي ظلمهم {أمرا خارجا عنه، مترقيا منه إلي عالم الفضل الذي هو فوق العرش. وفي أمثال هذا الحديث أسرار، إفشاؤها بدعة، فكن من الواصلين إلي العين دون السامعين للخبر.
فإن قلت: ما المناسبة بين قضاء الخلق، وسبق الرحمة علي الغضب؟ قلت: لم يكن قضاء الخلق إلا للعبادة، قضاء لشكر تلك النعمة، قال تعالي:} وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون {فمن الخلق من قام بالشكر علي قدر استطاعته لا بموجبه؛ لأن أحد لم يقدر علي أن يشكره حق شكره، ومنهم من قصر فيه، فسبقت رحمة الله تعالي في حق الشاكر، بأن وفي جزاءه، وزاد عليه بسعة رحمته ما لا يدخل تحت الحصر، وفي حق المقصر إذا تاب ورجع أن يغفره، ويتجاوز، وبدلها حسنات، ولم يغضب عليه، نحو قوله تعالي:} كتب علي نفسه الرحمة {ثم تعليله بقوله:} أنه من عمل منكم بسوء بجهالة ثم تاب من بعده {الآية. وعلي هذا ((قضى)) بمعنى فصل، أي فصل أمر الخلق، فمن منعم عليهم بالرحمة، ومغضوب عليهم بالسخط. ومعنى ((سبقت رحمتي)) تمثيل لكثرتها وغلبتها علي الغضب بفرسي رهان تسابقتا، فسبقت إحداهما علي الأخرى، وهذا التوجيه أنسب بالباب.
الحديث الثاني عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((إن لله مائة رحمة)) الحديث ((تو)):رحمة الله تعالي غير متناهية، فلا تعتورها التجزئة والتقسيم، وإنما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يضرب