أحدها: أن قوله: ((ولا ينبغي له أن ينام)) جملة معترضة واردة على التتميم صونا للكلام عن المكروه؛ فإن قوله:((لا ينام)) لا ينفي جواز النوم، كما قال الأشرف، فعقب به لدفع ذلك التجوز. قال أبو الطيب:
وتحقر الدنيا احتقار مجرب ترى كل ما فيها وحاشاك فانيا
فإن حاشاك تتميم في غاية الحسن، ومعنى ((لا ينبغي)) لا يصح، ولا يستقيم النوم؛ لأنه مناف لحال رب العالمين.
وثانيها:((يخفض ويرفع، وعمل الليل، وعمل النهار)) من باب التضاد والمطابقة، والخفض الرفع في القرينتين مستعاران للمعاني من الأعيان.
وثالثها:((لو كشفه)) من الشرط، والجزاء استئنافية مبنية للكلام السابق، كأنه لما قيل: إن حجابه النور، وعرف الخبر المفيد للتخصيص اتجه للسائل أن يقول: لم خص الحجاب بالنور؟ أجيب: أنه لو كان من غيره لاحترق.
ورابعها: الجملة الفعلية في النفي والإثبات كلها واردة على صيغة المضارع لإرادة الاستمرار، فالمنفيان فيها يدلان على الدوام من غير انقطاع، والأربع المثبتة على التجدد مع الاستمرار، وأما الجملة الاسمية فدلالتها على سبيل الثبات والدوام في هذا العالم، والشرطية منبئة عن ذلك، لما دلت على أنها مخالفة للنور المتعارف، فإذا انقلبت إلى النور لم يكن كذلك. وفيه دليل على أن نبينا عليه الصلاة والسلام رأى ربه تعالى لقوله في الدعاء:((اللهم اجعل قلبي نورا، وفي بصري نورا) وسيجيء أن شاء الله تعالى دلائل على ذلك. وأما المؤمنون إذا صفت بشريتهم عن الكدورات في دار الثواب فيرزقون هذه المنحة السنية، والرتبة العلية.
وخامسها: أن معنى الحديث بأسره مسبوك من معنى آية الكرسي؛ فإن قوله سبحانه:{اللَّهُ لا إلَهَ إلَاّ هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ ولا نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ ومَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ} مشعر بصفة الإكرام، ومنه إلى الخاتمة مشير إلى صفة الجلال، لما فيه من المنع عن الشفاعة إلا بإذنه، ومن ذكر الكرسي الذي هو سرير الملك، وهو مناسب لحديث الحجاب، وكذلك الحديث إلى قوله:((حجابه النور)) منبئ عن صفة الإكرام، ومنه إلى آخره عن صفة الجلال، فتكون صفة الجلال محتجبة بصفة الإكرام، فلو كشف حجاب الإكرام لتلاشت الأشياء، وتفنى بتجلي صفات الجلال الكائنات {ويَبْقَى وجْهُ رَبِّكَ ذُو الجَلالِ والإكْرَامِ}. ومن أسماء الله الحسنى وصفاته العظمى النور، قال الله تعالى:{وأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا} وبيانه أن قوله: {لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ} مقرر للكلام السابق.