((لديغاً)) فعيل بمعنى مفعول، واللدغ يستعمل في ذوات السموم من حية وعقرب وغير ذلك. قوله ((أن أموت في سبيلك مدبراً)) عبارة عن الفرار عن الزحف حيث لا يجوز الزحف هذا وما أشبه ذلك تعليم الأمة، وإلا فرسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجوز له الفرار وكذا تخبط الشيطان وغير ذلك من الأمراض المزمنة المشوهة للخلق.
الحديث العاشر عن معاذ رضي الله عنه: قوله (من طمع يهدي)((قض)): الهداية: الإرشاد إلي لشيء والدلالة عليه، ثم اتسع فيه فاستعمل بمعنى الإدناء من الشيء والإيصال إليه. والطبع بالتحريك: العيب، وأصله الدنس الذي بعرض السيف، والمعنى: أعوذ بالله من طمع يسوقني إلي شين في الدين وإزراء بالمروءة. قوله: الهداية هنا بمعنى الدلالة الموصلة إلي البغية واردة علي سبيل التمثيل لأن الطبع الذي هو بمعنى الرين سبب عن كسب الآثام. قال تعالي:{كلا بل ران علي قلوبهم ما كانوا يكسبون} فلما جعل متسببا عن الطمع الذي هو نزوع النفس إلي الشيء شهوة له جعل كالمرشد والهادي إلي مكان سحيق، فيتخذ إلهه هواه، وهو المعني بالرين، فاستعمل الهدى فيه علي سبيل الاستعارة تهكماً.
الحديث الحادي عشر عن عائشة رضي الله عنها قوله:((الغاسق إذا وقب)) ((قض)) الغاسق: الليل إذا غاب الشفق واعتكر ظلامه من غسق يغسق إذا أظلم، وأطلق هاهنا علي القمر لأنه يظلم إذا كسف، ووقوبه: دخوله في الكسوف واسوداده، وإنما استعاذ من كسوفه لأنه من آيات الله الدالة علي حدوث بلية، ونزول نازلة.
أقول: يؤيد هذا التأويل حديث أبي موسى في الكسوف قال: فقام النبي فزعاً يخشى أن تكون الساعة، ثم قال:((هذه الآيات التي يرسل الله لا تكون لموت أحد ولا لحياته، ولكن يخوف الله بها عباده، فإذا رأيتم من ذلك شيئاً فافزعوا إلي ذكر الله ودعائه واستغفاره))، ولأن اسم الإشارة في الحديث كوضع اليد في التعيين، وتوسيط ضمير الفعل بينه وبين الخبر المعرف يدل علي أن المشار إليه هو القمر لا غير وتفسير الغاسق بالليل يأباه سياق الحديث كل الإباء؛ ولأن دخول الليل نعمة من نعم الله تعالي، ومن الله بها علي عباده في كثير من الآيات، قال تعالي:{وجعل لكم الليل لتسكنوا فيه}{فلما جن عليه الليل رأي كوكباً قال هذا ربي} وقال الشاعر:
وكم لظلام الليل عندك من يد ... تخبر أن المانوية تكذب
الحديث الثاني عشر عن عمران: قوله: ((إلهاً)) تمييز لـ ((كم)) الاستفهامية، وقد فصل بينهما ظاهراً، وأما من حيث المعنى فلا فصل؛ إذ أن رتبة المفعول هو التأخر عن الفعل.