وانصرني علي من بغى علي، رب اجعلني لك شاكراً، لك ذاكراً، لك راهباً، لك مطواعاً، لك مخبتاً، إليك أواها منيباً، رب تقبل توبتي، واغسل حوبتي، وأجب دعوتي، وثبت حجتي، وسدد لسإني، واهد قلبي، واسلل سخيمة صدري)). رواه الترمذي، وأبو داود، وابن ماجه [٢٤٨٨].
٢٤٨٩ - وعن أبي بكر، قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم علي المنبر، ثم بكى، فقال:((سلوا الله العفو والعافية، فإن أحداً لم يعط بعد اليقين خيراً من العافية)). رواه الترمذي، وابن ماجه. وقال الترمذي: هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ إسناداً [٢٤٨٩].
ــ
بالطاعات، فيتوهم أنها مقبولة، وهي مردودة. قوله:((لك شاكراً)) ((قض)): قدم الصلاة علي متعلقاتها تقديماً للأهم، وإرادة للاختصاص. ((والمخبت)) الخاشع المتواضع من الخبت وهو المطمئن إلي ذكر ربه الواثق به، قال تعالي:{وأخبتوا إلي ربهم} أي اطمأنوا، وسكنت نفوسهم إلي أمره، وأقيمت ((اللام)) مقام ((إلي)) ليفيد معنى الاختصاص. ((والأواه)) فعال بني للمبالغة من أوه، يقال: أوه تأويهاً وتأوه تأوهاً إذا قال: آه، وهو صوت الحزين المتفجع، والمعنى اجعلني لك أواها متفجعاً علي التفريط، منيباً راجعاً إليك، تائباً عما اقترفت من الذنوب. والحوبة الإثم، وكذا الحوب والحوب، وغسله كناية عن إزالته بالكلية بحيث لا يبقى منه أثر. وسداد اللسان أن لا يتحرك إلا بالحق، ولا ينطق إلا بالصدق. وسخيمة الصدر الضغينة، من السخمة وهي السواد، ومنه سخام القدر. وإضافتها إلي الصدر؛ لأن مبدأها القوة الغضبية المنبعثة من القلب الذي هو في الصدر، وسلها إخراجها، وتنقية الصدر منها، من سل السيف إذا أخرجه من الغمد. ((نه)): ((ثبت حجتي)) أي قولي وتصديقي في الدنيا، وعند جواب الملكين في القبر.
أقول: فإن قلت: ما الفائدة من ترك العاطف في القرائن السابقة من قوله: ((رب اجعلني)) إلي قوله: ((منيباً)) وفي الإتيان به في القرائن اللاحقة؟ قلت: أما الترك فللتعداد والإحصاء؛ ليدل علي أن ما كان لله غير معدود، ولا داخل تحت الضبط، فينعطف بعضها علي بعض، ولهذا قدم الصلاة علي متعلقاتها. وأما الإتيان بالعاطف فيما كان للعبد، فلانضباطه وإنما اكتفي في قوله إليك ((أواهاً منيب)) بصلة واحدة لكون الإنابة لازمة للتأوه ورديفاً له))، فكأنهما شيء واحد، ومنه قوله تعالي:{إن إبراهيم لحليم أواه منيب}.