للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصيبات الدنيا، ومتعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا علي من ظلمنا، وانصرنا علي من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا من لا يرحمنا)). رواه الترمذي، وقال: هذا حديثٌ حسنٌ غريب. [٢٤٩٢]

ــ

قسماً ونصيباً تحول به وتحجب وتمنع، من حال الشيء حيلولة، وارزقنا يقيناً بك، وبأن لا مرد لقضائك وقدرك، وأن لا يصيبنا إلا ما كتبته علينا، وأن ما قدرته لا يخلو عن حكمة، ومصلحة، واستجلاب مثوبة تهز نبه مصيبات الدنيا. و ((اجعله)) الضمير فيه للمصدر، كما في قولك: زيد أظنه منطلق، أي اجعل الجعل، و ((الوارث)) هو المفعول الأول و ((منا)) في موضع المفعول الثاني علي معنى واجعل الوارث من نسلنا، لا كلالة خارجة عنا، كما قال تعالي حكاية عن دعوة زكريا: {فهب لي من لدنك ولياً يرثني ويرث من آل يعقوب}، وقيل: الضمير للتمتع الذي دل عليه التمتيع، ومعناه اجعل تمتعنا بها باقياً عنا، موروثاً فيمن بعدنا، أو محفوظاً لنا إلي يوم الحاجة، وهو المفعول الأول، و ((الوارث)) مفعول ثان، و ((منا)) صلة له، وقيل: الضمير لما سبق من الأسماع والأبصار والقوة، وإفراده وتذكيره علي تأويل المذكور، كما في قول رؤية:

فيها خطوط من سواد وبلق ... كأنه في الجلد توليع البهق

والمعني بوراثتها لزومها له عند موته لزوم الوارث له. واجعل ثأرنا مقصوراً علي من ظلمنا، ولا تجعلنا ممن تعدى في طلب ثأره، فأخذ به غير الجإني، كما كان معهوداً في الجاهلية، أو اجعل إدراك ثأرنا علي من ظلمنا، فندرك منه ثأرنا، وأصل الثأر الحقد والغضب، من الثوران، يقال: ثار ثائره إذا هاج غضبه.

قوله: ((ولا تجعل مصيبتنا في ديننا)) [((نه))]: ولا تصيبنا بما ينقص ديننا من أكل الحرام واعتقاد سوء، أو فترة في العبادة. قوله: ((أكبر همنا)) فيه أن قليلاً من الهم لابد منه في أمر المعاش المرخص، بل مستحب. قوله: ((لا تسلط علينا)) يعني لا تجعنا مغلوبين للكفار والظلمة، ويحتمل أن يراد لا تجعل الظالمين علينا حاكمين، فإن الظالم لا يرحم الرعية.

فإن قلت: بين لي تأليف هذا النظم، وأي وجه من الوجوه المذكورة أولي، قلت: أن نجعل

الضمير للتمتع، ومعنى اجعل ثأرنا مقصوراً علي من ظلمنا، ولا تجعلنا ممن تعدى في طلب

ثأره، ويحمل ((من لا يرحمنا)) علي ملائكة العذاب في القبر، وفي النار؛ لئلا يلزم التكرار،

<<  <  ج: ص:  >  >>