٢٤٩٣ - وعن أبي هريرة، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((اللهم انفعني بما علمتني، وعلمني ما ينفعني، وزدني علماً، الحمد لله علي كل حال، وأعوذ بالله من حال أهل النار)). رواه الترمذي، وابن ماجه. وقال الترمذي: هذا حديثٌ غريبٌ إسناداً. [٢٤٩٣]
ــ
فنقول: وإنما خص السمع والبصر بالتمتع من الحواس؛ لأن الدلائل الموصلة إلي معرفة الله تعالي وتوحيده إنما تحصل من طريقهما؛ لأن البراهين إنما تكون مأخوذة من الآيات المنزلة، وذلك بطريق السمع، أو من الآيات المنصوبة في الآفاق والأنفس، وذلك بطريق البصر، فسأل التمتع بهما حذراً من الانخراط في سلك الذين ((ختم الله علي قلوبهم وعلي سمعهم، وعلي أبصارهم غشاوة)) ولما حصلت المعرفة ترتب عليها العبادة، فسأل القوة ليتمكن بها من عبادة ربه، ثم إنه أراد أن لا ينقطع هذا الفيض الإلهي عنه لكونه رحمة للعالمين، فسأل بقاءه ليستن بسنته بعده فقال: واجعل ذلك التمتع وارثاً باقياً منا.
ولما كانت القرينتان أعني ((واجعل ثأرنا علي من ظلمنا وانصرنا علي من عادانا)) علي وزان قوله: ((أعوذ بك من أن أظلم وأظلم)) وجب تأويل القرينة الأولي بما سبق، والثانية ظاهرة، ولما كان مفهوم ((وانصرنا علي من عادانا)) لا تسلط علينا من ظلمنا، وجب أن يحمل ((ولا تسلط علينا من لا يرحمنا)) علي ما حملنا عليه. ويلوح من قوله:((ولا تجعل الدنيا مبلغ علمنا)) معنى قوله تعالي: {يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون}.
الحديث السادس عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((اللهم انفعني)) إلي هذا المعنى ينظر ما ورد ((من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم)) طلب أولاً النفع بما رزق من العلم، وهو العمل بمقتضاه، ثم توخي علماً زائداً عليه ليترقى منه إلي عمل زائد علي ذلك، ثم قال:((رب زدني علماً)) ليشير إلي طلب الزيادة في السير والسلوك إلي أن يوصله إلي مخدع الوصال، وظهر من هذا أن العلم وسيلة العمل، وهما متلازمان، ومن ثم قيل: ما أمر الله رسوله بطلب الزيادة في شيء إلا في العلم، وما أحسن موقع الحمد في هذا المقام، ومعنى المزيد فيه {لئن شكرتم لأزيدنكم} وموقع الاستعاذة من الحال المضاف إلي النار تلميحاً إلي الفظيعة والبعد، وهذا من جامع الدعاء الذي لا مطمح وراءه.