يحج ثم أذن في الناس بالحج في العاشرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاج، فقدم
المدينة بشر كثير، فخرجنا معه، حتى إذا أتينا ذا الحليفة. فولدت أسماء بنت عميس
محمد بن أبي بكر، فأرسلت إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف أصنع؟ قال:((اغتسلي
واستثفري بثوب، وأحرمي)). فصلي رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، ثم ركب القصواء،
ــ
كبيراً، وخرج فيه من الفقه مائة ونيفاً وخمسين نوعاً، ولو تقصى لزيد علي هذا العدد.
قوله:((مكث)) ((تو)): إنما ترك الحج في الأعوام التي قبل الفتح؛ لأن الحج لم يكن فرضاً حينئذ؛ لأنه فرض سنة ست من الهجرة، ثم إنه كان معنياً بحرب أعداء الله، مأموراً بإعلاء كلمة الله وإظهار دينه، فلم يكن ليتفرغ من هذا القصد الكلي، والأمر الجامع إلي الحج الذي لم يفرض. وأما اعتماره صلى الله عليه وسلم في تلك السنين؛ فلأنه لم يكن له موسم معين فيتألب الأعداء لمناوأته وصده عن البيت، والإتيان علي أفعال العمرة كان ممكناً في بعض يوم مع أنه كان عبداً مأموراً، يراقب الأمر في تصاريف أحواله، فأمر بها ولم يؤمر بالحج. وأما بعد الفتح، وهو في سنة ثمان، فإن هوازن وثقيفاً وكثيراً من العرب، كانوا حرباً لرسول الله صلى الله عليه وسلم متأهبين لقتاله. وقد ذهب قوم إلي أن تأخير الحج بعد الفتح إنما كان للنسيء المذكور في كتاب الله، حتى عاد الحساب في الأشهر إلي أصله الموضوع الذي بدأ الله به في أمر الزمان يوم خلق السموات والأرض.
قوله:((ثم أذن)) ((مح)): إنما أعلمهم بذلك؛ ليتأهبوا للحج معه، فيتعلموا المناسك والأحكام، ويشاهدوا أفعاله وأقواله، وليوصيهم بأن يبلغ الشاهد الغائب، فتشيع دعوة الإسلام، وتبليغ الرسالة القريب والبعيد. وفيه أنه يستحب للإمام بأن يأذن للناس بالأمور المهمة ليتأهبوا لها. قوله:((أسماء بنت عميس)): ((مح)): فيه استحباب غسل الإحرام للنفساء. والاستثفار: أن تشد في وسطها شيئاً وتأخذ خرقة عريضة تجعلها علي محل الدم، وتشد طرفها من قدامها ومن ورائها، في ذلك المشدود في وسطها، وهو شبيه بثفر الدابة- بفتح الفاء-. وفيه صحة إحرام النفساء، وهو مجمع عليه. ((والقصواء)) هي بفتح القاف وبالمد، قال ابن الأعرابي: القصواء التي قطع طرف أذنها، وكذا الأصمعي. وقال أبو عبيدة: هي المقطوعة الأذن عرضاً. وقال محمد ابن إبراهيم التيمي التابعي: إن القصواء، والعضباء، والجذعاء اسم لناقة واحدة كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله:((أهل بالتوحيد لبيك)) إلي آخره بيان ((التوحيد))، وفيه تعريض لما كان يفعله الجاهلية
من انضمام قولهم:((إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك)). قوله:((لسنا نعرف العمرة)) تأكيد
وتقرير لمعنى الحصر في قوله:((لسنا ننوي إلا الحخ))، أي لسنا ننوي شيئاً من النيات إلا نية
الحج، وكان محتملاً فأكده به. ((قض)): أي لا نرى العمرة في أشهر الحج؛ استصحاباً لما كان