٢٦٠٣ - وعن عباس بن مرداس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا لأمته عشية عرفة بالمغفرة، فأجيب:((إني قد غفرت لهم ما خلا المظالم، فإني آخذ للمظلوم منه)). قال:((أي رب! إن شئت أعطيت المظلوم من الجنة، وغفرت للظالم)) فلم يجب عشيته. فلما أصبح بالمزدلفة أعاد الدعاء، فأجيب إلي ما سأل قال: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم - أو قال تبسم - فقال له أبو بكر وعمر: بأبي أنت وأمي، إن هذه لساعة ما كنت تضحك فيها، فما الذي أضحكك، أضحك الله سنك؟ قال:((إن عدو الله إبليس لما علم أن الله عز وجل قد استجاب دعائي، وغفر لأمتي. أخذ التراب، فجعل يحثوه علي رأسه، ويدعو بالويل والثبور، فأضحكني ما رأيت من جزعه)). رواه ابن ماجه، وروى البيهقي في ((كتاب البعث والنشور)) نحوه.
ــ
الحديث الثاني عن عباس بن مرداس: قوله: ((فأجيب إلي ما سأل)) أي لما سأل، وقد سبق أن الأغراض نهاية المطالب، و ((إلي)) للغاية، فيلتقيان في معنى واحد. قوله:((يحثوه علي رأسه)) يلمح إلي قوله صلى الله عليه وسلم: ((ما رئي الشيطان يوماًً هو فيه أصغر ولا أدحر)). قوله:((ويدعو بالويل)) أي يقول: يا ويلاه يا ثبوراه! ((نه)): الويل الحزن والهلاك، والمشقة من العذاب، وكل من وقع في هلكة دعا بالويل، ومعنى النداء فيه، يا حزني يا هلاكي يا عذابي احضر، فهذا وقتك وأوانك، فكأنه نادى الويل أن يحضره لما عرض له من الأمر الفظيع، والثبور الهلاك، ونداؤه كنداء الويل.
قال الإمام أحمد البيهقي رحمه الله: يحتمل أن تكون الإجابة إلي المغفرة بعد أن يذيقهم شيئاً من العذاب دون الاستحقاق، فيكون الخبر خاصاً في وقت دون وقت، ويحتمل أن تكون الإجابة إلي المغفرة ليعضهم، فيكون الخبر خاصاً في قوم دون قوم، ثم من لا يغفر له يذيقه من العذاب بما كسب وافياً، ويحتمل أن يكون عاماً، ونص الكتاب يدل علي أنه مفوض إلي مشيئة الله تعالي حيث قال:{ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} فلا ينبغي لمسلم أن [يغر] نفسه، فإن المعصية شؤم، وخلاف الجبار في أوامره ونهيه عظيم، وأحدنا لا يصبر علي حمى يوم، أو وجع ساعة، فكيف يصبر علي عذاب أليم، وعقاب شديد، لا يعلم وقت نهايته إلا الله تعالي، وإن كان قد ورد خبر الصادق بنهايته دون بيان وقته، متى ما كان مؤمناً، وبالله التوفيق.