للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

نفسه، ولا يجني جان علي ولده، ولا مولود علي والده، ألا وإن الشيطان قد أيس أن يعبد في بلدكم هذا أبداً، ولكن ستكون له طاعة فيما تحتقرون من أعمالكم فسيرضي به)). رواه ابن ماجه، والترمذي وصححه. [٢٦٧٠]

بعد ما قال: ((فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام)) مخاطباً لسائر الأمة، وله مزيد اختصاص بالأئمة والولاة والحكام، أتبع قوله: ((ألا لا يجني جان إلا علي نفسه)) فأتى بنكرة في سياق النفي؛ ليفيد العموم، يعني من ارتكب هذا المحظور وجنى علي الغير بتمزيق عرضه وأخذ ماله وسفك دمه من حق ذلك أن لا يتجاوز بالاقتصاص إلي الغير، ولا يؤخذ غيره بتلك الجريمة كفعل الجاهلية، نحو قوله تعالي:} الزإني لا ينكح إلا زإنية {((الكشاف)): يجوز أن يكون خبراً محضاً علي معنى أن عادتهم جارية علي ذلك، وعلي المؤمن أن لا يدخل نفسه تحت هذه العادة ويتصون عنها، وقال أيضاً في قوله تعالي:} ولكم في القصاص حيوة {: وهو خطاب له فضل اختصاص بالأئمة.

قوله: ((ولا مولود علي والده)) ((قض)): يحتمل أن يكون المراد النهي عن الجناية عليهما، وإنما أوردهما بالتصريح، والتنصيص لاختصاص الجناية عليهما بمزيد قبح وشناعة، وأن يكون المراد به تأكيد قوله: ((لا يجني جان علي نفسه))؛ فإن العرب في جاهليتهم بأخذون بالجناية من يجدونه من الجإني وأقاربه الأقرب فالأقرب، ولعلهم سنوا القتل فيهم، فالمعنى علي هذا لا يجنى أحد علي غيره فيؤخذ به هو ووالده وولده، ويكون في الحقيقة جنايته علي الغير جنايته علي نفسه ووالده وولده.

قوله: ((أن يعبد في بلادكم)))) يعنى أنتم أيها العرب لن تعبدوا الطاغوت وغير الله من الأصنام بعد هذا، ولكن ستكون للشيطان طاعة فيما تحتقرون من أعمالكم، وما يتجهن في خواطركم، وما تتفوهون به من هناتكم وصغائر ذنوبكم، فيؤدي ذلك إلي الفتن وهيج الحروب والفساد في الأرض من إهلاك الحرث والنسل، كما قال نصر بن سيار:

فإن النار بالعودين تزكى وإن الحرب أولها كلام

هذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم: ((إن الشيطان قد أيس من أن يعبده المصلون في جزيزة العرب، ولكن في التحريش بينهم)) أي إيقاع الفتنة والعداوة والخصومة والقتل. وقوله: ((أبداً)) إذا كان بمعنى خالداً يكون ظرفا ً لـ ((أيس))، وإذا كان بمعنى قط يكون الكلام راجعاً إلي النفي، أي لا يعبد قط.

<<  <  ج: ص:  >  >>