للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ومن أخطأه ضل, فلذلك أقول: جف القلم على علم الله)) رواه أحمد والترمذي [١٠١].

ــ

المردية, والأهواء المضلة, كقوله تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسَانَ فِي كَبَدٍ} والنور الملقى عليهم ما نصب من الشواهد والحجيج, وما أنزل إليهم من الآيات والنذر, وإلى هذا المعنى أشير بقوله سبحانه: {اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ والأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ المِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَاّ شَرْقِيَّةٍ ولا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ ولَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ} ومن يشاء هدايته هو الذي أصابه ذلك النور فتخلص من تلك الظلمة واهتدى ومن لم يشأ هدايته بقي في ظلمات الطبيعة مخبطا في الظلمات كالأنعام, بل هم أضل, مثل حال الكفرة المنهمكين في الشهوات, المعرضين عن الآيات.

ويمكن أن يحمل قوله: ((خلق خلقة)) على خلق الذر المستخرج في الأزل من صلب آدم عليه السلام, فعبر بالنور عن الألطاف التي هي تباشير صبح الهداية, وإشراق لمعات برق العناية, ثم أشارة بقوله: ((أصاب وأخطأ)) إلى ظهور أثر تلك العناية فيما لا يزال من هداية بعض, وإضلال بعض. و ((الإلقاء)) في الأصل طرح الشيء حيث تلقاه, ثم صار في المتعارف اسما لكل طرح. و ((أخطأه)) جاوزه وتعداه لشقاوته حيث لم تتعلق المشيئة بهدايته, ((فلذلك)) يعني من أجل عدم تغير ما جرى في الأزل تقديره من الإيمان, الطاعة, والكفر, والمعصية.

أقول: قوله: ((جف القلم)) ((شف)): في هذا تنبيه على أن الإنسان خلق على حالة لا ينفك عن الظللمة إلا من أصابه من النور الملقى عليهم. أقول – والعلم عند الله -: هذا التوفيق بين هذا المعنى وبين حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ((ما من مولود إلا يولد على الفطرة)) أن يقال بأن الإنسان مركب من الروحانية التي تقتضي العروج إلى عالم القدس, هي مستعدة لقبول فيضان نور الله الهادي, ومهيأة للتجلي تجلية الدين, ومن النفسانية المائلة إلى الخلود في الأرض, والإنهماك في الشهوات, والركون إلى المرديات, لاحظ في هذا الحديث لكون الكلام مسوقا في القدر؛ لقوله: ((جف القلم)) معنى ماذكره. ((شف)): وفي ذلك الحديث لمح إلى القضاء بقوله: ((ما من مولود إلا يولد على الفطرة)) فأجرى الكلام على ما أجراه كما مر بيانه.

<<  <  ج: ص:  >  >>