للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتم فانفروا)). وقال يوم فتح مكة: ((إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض، فهو حرام بحرمة الله إلي يوم القيامة، وإنها لم يحل

ــ

والغنيمة. وفيه تنبيه علي أنهم إذا حرصوا علي الجهاد وأحسنوا النية، أدركوا الكثير مما فاتهم بفوات الهجرة. وفي قوله: ((لا هجرة)) تنبيه علي الرخصة في ترك الهجرة، يعني إلي المدينة لنصرة الرسول صلى الله عليه وسلم. فأما الهجرة التي تكون من المسلم لصلاح دينه فإنها باقية مدى الدهر.

((مح)): فيه إظهار معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأن مكة تبقى دار الإسلام بعد الفتح، لا يتصور منها الهجرة. وقال أصحابنا: معناه أن الهجرة الفاضلة المهمة المطلوبة التي يمتاز بها أهلها امتيازاً ظاهراً، انقطعت [بفتحه] * ومضت؛ لأن الإسلام قوي وعز عزاً ظاهراً بخلاف ما قبله، لكن لكم طريق إلي تحصيل الفضائل التي في معنى الهجرة، وذلك بالجهاد ونية الخير في كل شيء.

أقول: قوله: ((ولكن جهاد ونية)) عطف علي محل مدخول ((لا)) والمعنى أن الهجرة من الأوطان إما هجرة إلي المدينة للفرار من الكفار ونصرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وإما إلي الجهاد في سبيل الله، وإما إلي غير ذلك من تحصيل الفضائل، كطلب العلم وابتغاء فضل الله من التجارة وما شاكلهما؛ فانقطعت الأولي وبقيت الأخريان، فاغتنموهما ولا تقاعدوا عنهما، فإذا استنفرتم فانفروا.

((نه)): الجهاد محاربة الكفار، وهو المبالغة واستفراغ ما في الوسع من قول أو فعل. يقال: جهد الرجل في الشيء، إذا جد فيه وبالغ، وجاهد في الحرب مجاهدة وجهادا. والاستنفار الاستنجاد والاستنصار، أي طلب منكم النصرة فأجيبوا وانصروا خارجين إلي الإعانة.

قوله: ((حرمه الله يوم خلق السموات)) ((قض)): معناه أن تحريمه أمر قديم وشريعة سالفة مستمرة، ليس مما أحدثه أو اختص بشرعه. ويحتمل أن يراد به التأقيت، أي إنما خلف هذه الأرض حين خلقها محرمة، والتوفيق بينه وبين ما أورده في الباب التالي له عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن إبراهيم حرم مكنة فجعلها حراماً، وإني حرمت المدينة حراما ًما بين مأزميها، أن لا يهراق فيها دم، ولا يحمل فيها سلاح لقتال، ولا تخبط فيها شجرة إلا لعلف)) أن يقال: إسناد التحريم إلي إبراهيم عليه السلام من حيث إنه مبلغه ومنهيه؛ فإن الحاكم بالشرائع والأحكام كلها هو الله تعالي، والأنبياء يبلغونها، ثم إنها كما تضاف إلي الله تعالي من حيث إنه الحاكم بها، تضاف إلي الرسل؛ لأنها تسمع منهم وتبين علي لسانهم. فلعله لما رفع البيت المعمور إلي السماء وقت الطوفان، أو انطمست العمارة التي بناها آدم عليه السلام، والكعبة الآن في محلها علي اختلاف الروايات اندرست حرمتها وصارت شريعة متروكة منسية إلي أن أحياها إبراهيم عليه السلام، فرفع قواعد البيت ودعا الناس إلي الحج، وحد الحرم وبين حرمته.

((مح)): قيل: معناه أنه تعالي كتب في اللوح المحفوظ يوم خلق السموات الأرض، أن إبراهيم سيحرم مكة بأمر الله تعالي.

<<  <  ج: ص:  >  >>