للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٦٧٣٧ - وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أمرت بقرية تأكل القرى يقولون: يثرب، وهي المدينة تنفي الناس كما ينفي الكير خبث الحديد)). متفق عليه.

ــ

وزجرتها، وقلت لها: بس بكسر الباء وفتحها. ((تو)) و ((قض)): المعنى أنه يفتح اليمن فأعجب قومًا بلادها وبلهنية أهلها، فيحملهم علي المهاجرة إليها بأنفسهم وأموالهم حتى يخرجوا منها، والحال أن المدينة خير لهم؛ لأنها حرم الرسول صلى الله عليه وسلم وجواره ومهبط الوحي ومنزل البركات، لو كانوا يعلمون ما فيها والإقامة بها من الفوائد الدينية والعواتد الأخروية، التي يستحقر دونها ما يجدونه من الحظوظ الفإنية العاجلة بسبب المهاجرة عنها والإقامة في غيرها. ((مظ)): أخبر صلى الله عليه وسلم في أول الهجرة إلي المدينة بأن سيفتح اليمن فيأتي من اليمن قوم إلي المدينة، حتى يكثر أهل المدينة، والمدينة خير لهم من غيرها.

أقول: الوجه هو الأول؛ لأن تنكير ((قوم)) ووصفه بقوله: ((يبسون)) ثم توكيده بقوله: ((لوكانوا يعلمون)) لا يساعد الثاني. بيانه أن تنكير ((قوم)) لتحقيرهم وتوهين أمرهم، ثم الوصف بـ ((يبسون)) - وهو سوق الدواب - يشعر بركاكة عقولهم، وأنهم ممن ركنوا إلي الحظوظ البهيمية، وحطام الدنيا الفإنية العاجلة، وأعرضوا عن الإقامة في جوار رسول الله صلى الله عليه وسلم ومهبط الوحي ومنزل البركات؛ ولذلك كرر قومًا ووصفه في كل قرينة بـ ((يبسون)) استحضارًا لتلك الهيئة القبيحة. ومعنى ((لو كانو يعلمون)) قد سبق في الحديث الثالث، والذي يقتضي هذا المقام أن ينزل ((يعلمون)) منزلة اللازم؛ لينتفي عنهم العلم والمعرفة بالكلية، ولو ذهب مع ذلك إلي معنى التمني لكان أبلغ؛ لأن معنى التمني طلب ما لا يمكن حصوله، أي ليتهم كانوا من أهل العلم تغليظًا وتشديدًا.

الحديث العاشر عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((بقرية)) ((تو)) و ((قض)): أي بنزولها واستيطانها، ((تأكل القرى)) أي تغلبها وتظهر عليها، بمعنى أن أهلها تغلب أهل سائر البلاد فتفتح منها، يقال: أكلنا بني فلان أي غلبناهم وظهرنا عليهم؛ فإن الغالب المستولي علي الشيء كالمغني له إفناء الأكل إياه، و ((يثرب)) من أسماء المدينة، سميت باسم واحد من العمالقة نزل بها، وكانت تدعى به قبل الإسلام، فلما هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم كره ذلك؛ لما فيه من إيهام معنى التثريب أو غيره، فبدله بطابة والمدينة؛ ولذلك قال: يقولون ذلك، والاسم الحقيق بأن تدعى به هي المدينة، وهي فعيلة من مدن بالمكان إذا قام به، وإنما قلنا: إنه الحقيق بأن يدعى بها؛ لأن التركيب يدل علي التفخيم، كقول الشاعر:

هم القوم كل القوم يا أم خالد!

أي هي المستحقة لأن تتخذ دار إقامة. ((مح)):حكي عن عيسى بن دينار: أن من سماها يثرب

<<  <  ج: ص:  >  >>