للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٢٨١٤ - وعن أبي سعيد، قال: جاء بلال إلي النبي صلى الله عليه وسلم بتمر برني، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((من أين هذا؟)) قال: كان عندنا تمرٌ رديءٌ، فبعت منه صاعين بصاعٍ. فقال: ((أوه، عين الربا، عين الربا، لا تفعل؛ ولكن إذا أردت أن تشتري، فبع التمر ببيع آخر ثم اشتر به)) متفق عليه.

ــ

ولما روى أحمد وأبو داود عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا تبايعتم العينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلاً، لا ينزعه حتى ترجعوا إلي دينكم)). [و ((العينة)) -بفتح العين] المهملة وبسكون الياء تحتها نقطتان وفتح النون- هو أن يبيع من رجل سلعة بثمن معلوم إلي أجل مسمى، ثم يشتريها منه بأقل من الثمن الذي باعها، فإن اشترى بحضرة طالب العينة سلعة من آخر بثمن معلوم، وقبضها ثم باعها المشتري من البائع الأول بالنقد بأقل من الثمن، فهذه أيضًا عينة، وهي أهون من الأولي، وسميت عينة لحصول النقد لصاحب العينة؛ لأن العين هو المال الحاضر من النقد، والمشتري إنما يشتري ليبيعها بعين حاضرة تصل إليه معجلة، كذا في النهاية. وفي المغرب: العينة السلف، ويقال: باعه بعينة أي بنسيئة من عين الميزان وهي ميله كذا من الخليل لأنها زيادة، وقيل: لأنها بيع العين بالربح، وقيل: هي شراء ما باع بأقل مما باع. وما تجاسرنا علي ما أوردناه إلا بقول الإمام الشافعي رضي الله عنه: إذا صح حديث النبي صلى الله عليه وسلم خلاف قولي، فاعملوا بالحديث ودعوا قولي، وهو مذهبي، ذكره الشيخ محي الدين في شرح صحيح مسلم، وأمثاله كثيرة.

قوله: ((مثل ذلك)) مبتدأ، و ((في الميزان)) خبره، ويحتمل النصب علي المصدر، أي قال في شأن الميزان قولاً مثل ما قال في شأن الصاع أي المكيال. ((مح)): يستدل به الحنفية علي مذهبهم؛ لأنه ذكر في هذا الحديث الكيل والميزان. أقول: توجيه استدلالهم أن علة الربا في الأصناف المذكورة في حديث عبادة الكيل والوزن لا الطعم والنقد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما بين حكم التمر وهو المكيل، ألحق به حكم الميزان، ولو كانت العلة النقدية والمطعومية لقال في النقد مثل ذلك. والجواب أن هذا إرشاد لمن ضل السبيل ووقع في الربا، فهداه إلي التخلص منه بطريق العمل، فالمفهوم فيه مسدود وفاقاً، وذلك الحديث أصل تؤسس عليه الفروع.

الحديث الثامن عن أبي سعيد رضي الله عنه: قوله: ((برني)) هو من أجود التمر، قوله: ((أوه)) ((نه)): هي كلمة يقولها الرجل عند الشكاية والتوجع، وهي ساكنة الواو مكسورة الهاء، وربما قلبوا الواو ألفاً، فقالوا: آه من كذا، وربما شددوا الواو وكسروها وسكنوا الهاء، وبعضهم بفتح الواو والتشديد، فقالوا: آوه. وقوله: ((عين الربا)) أي هذا حقيقة الربا المحرم.

<<  <  ج: ص:  >  >>