للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٢٨٥٩ - وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يباع فضل الماء ليباع به الكلأ)). متفق عليه.

ــ

((لا تمنعوا فضل الماء لتمنعوا فضل الكلأ)) ومعناه: من كان له بئر في موات من الأرض، لا يمنع ماشية غيره أن ترد فضل مائه الذي زاد علي ما احتاجت إليه ماشيته ليمنعها بذلك عن فضل الكلأ، فإنه إذا منعهم عن فضل مائه في أرض لا ماء بها سواه، لم يكن لهم الرعي بها فيصير الكلأ ممنوعًا بمنع الماء، وروى السجستإني ((لا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ)) والمعنى: لا يباع فضل الماء ليصير الكلأ ممنوعًا بسبب الضنة علي الماء والمضايقة عليه، وفي المصابيح ((لا يباع فضل الماء ليباع به الكلأ)) والمعنى: لا يباع فضل الماء ليصير البائع له كالبائع للكلأ، فإن من أراد الرعي في حومات مائه وحواليه، إذا منعه من الورود علي مائه إلا بعوض اضطر إلي شرائه، فيكون بيعه للماء بيعًا للكلأ. واختلف العلماء في أن هذا النهي للتحريم أو للتنزيه، وبنوا ذلك علي أن الماء يملك أم لا؟، والأولي حمله علي الكراهة. ((تو)): الكلأ في موضعه هذا من فصيح الكلام الذي تهتز له أعطاف البليغ، لأن العشب يستعمل في الرطب من النبات، والحشيش في اليابس منه، والكلأ يعم النوعين.

أقول: التركيب من باب نهي الفعل المعلل، فيلزم بالمفهوم جواز بيع الماء لا لتلك العلة، كما يبيع فضل الماء لسقي زرع الغير. ((مح)): لا يجب علي صاحب البئر بذل الفاضل عن حاجته لزرع غيره فيما يملكه من الماء، ويجب بذله للماشية، وللوجوب شروط: أحدها: أن لا يجد صاحب الماشية ماء مباحا، والثاني: أن يكون البذل لحاجة الماشية، والثالث: أن يكون هناك مرعى، وأن يكون الماء في مستقره، فالماء الموجود في إناء لا يجب بذل فضله علي الصحيح، ثم عابرو السبيل يبذل لهم ولمواشيهم، وفيمن أراد الإقامة في الموضع وجهان؛ لأنه لا ضرورة إلي الإقامة، والأصح الوجوب، وإذا أوجبنا البذل، هل يجوز أن تأخذ عليه عوضًا كإطعام المضطر؟ فيه وجهان، والصحيح أنه صلى الله عليه وسلم نهي عن بيع فضل الماء.

اعلم أن البئر يتصور حفرها علي أوجه: أحدها: الحفر في المنازل للمارة، والثاني: في الموات علي قصد الارتفاق، كمن ينزل في الموات فيحفر للشرب وسقي الدواب، والثالث: الحفر بنية الملك، فالمحفورة للمار ماؤها مشترك بينهم، والحافر كأحدهم، والمحفورة للارتفاق الحافر أولي بمائها إلي أن يرتحل، لكن ليس له منع ما فضل منه للشرب لا الزرع، فإذا ارتحل صارت البئر كالمحفورة للمارة، فإن عاد فهو كغيره، وأما المحفورة للتملك فهل يكون ماؤها ملكًا؟ فيه وجهان: أصحهما نعم، وبه قال ابن أبي هريرة، وهو المنصوص في القديم. ويجري الخلاف فيما إذا انفجرت عين في ملكه، فإن قلنا: لا يملك فنبع وخرج منه ملكه من أخذه، وإن قلنا بالأصح لا يملكه الآخذ، أقول: بعض هذه المسائل ملحق بالتعليل، وبعضها بالمعلل في المنع وعدم المنع.

<<  <  ج: ص:  >  >>