٢٩٥٦ - وعن أبي أمامة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((العارية مؤداة، والمنحة مردودة، والدين مقضي، والزعيم غارم)). رواه الترمذي، وأبو داود. [٢٩٥٦]
ــ
مؤمن، قال الله تعالي:{ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض}((تو)): إنه كان يومئذ مشركاً، وقد أخذ بمجامع قلبه الحمية الجاهلية. أقول: قوله: ((غصباً)) معمول مدخول الهمزة، أي أتأخذها غصباً لا تردها علي، فأجاب صلى الله عليه وسلم بل أستعيرها وأردها، [فوضع الرد: الضمان مبالغة في الرد أي كيف لا أرضها] وإنها مضمونة علي، فمن قال: إنها غير مضمونة نظر إلي ظاهر الكلام. ومن قال: إنها مضمونة نظر إلي هذه الدقيقة.
((قض)): هذا الحديث دليل علي أن العارية مضمونة علي المستعير، فلو تلفت في يده لزمه الضمان، وبه قال ابن عباس وأبو هريرة، وإليه ذهب عطاء والشافعي وأحمد. وذهب شريح والحسن والنخعي وأبو حنيفة والثوري إلي أنها أمانة في يده لا تضمن إلا بالتعدي. وروي ذلك عن علي وابن مسعود رضي الله عنهما. وأول قوله:((مضمونة)) بضمان الرد وهو ضعيف؛ لأنها لا تستعمل فيه، ألا ترى أنه يقال: الوديعة مردودة علي ولا يقال: إنها مضمونة وإن صح استعماله فيه، فحمل اللفظ هاهنا عليه عدول عن الظاهر بلا دليل. وقال مالك: إن خفي تلفه أي لم تقم له بينة علي تلفه ضمن وإلا فلا.
الحديث الثاني عشر عن أبي أمامة رضي الله عنه: قوله: ((مؤداة)) ((تو)): أي تؤدى إلي أصحابها، واختلفوا في تأويله علي حسب اختلافهم في الضمان، فالقائل بالضمان يقول: يؤدي عيناً حال القيام، وقيمة عند التلف. وفائدة التأدية عند من يرى خلافه إلزام المستعير مؤنة ردها إلي مالكها، و ((المنحة)) ما يمنحه الرجل صاحبه من ذات در؛ ليشرب درها، أو شجرة ليأكل ثمرها، أو أرض ليزرعها، وقد سبق تفسيرها. وفي قوله:((مردودة)) إعلام بأنها تتضمن تمليك المنفعة لا تمليك الرقبة. و ((الزعيم غارم)) أي الكفيل ملزم نفسه ما ضمنه، و ((الغرم)) أداء شيء يلزمه.
أقول: وجه هذا التقسيم أن يقال: من يجب عليه حق لغيره شرعا غالبا، إما أن يكون علي سبيل الأداء بأن يؤديه العين مع ما يتصل به فهو العارية، أو علي سبيل الرد من غير ما يتصل به فهو المنحة، أو علي سبيل القضاء بأن يؤديه من غير عينه فهو الدين. وإما أن يكون علي سبيل الغرامة، وهو التزام الإنسان ما لم يأخذه فهو الكفالة، فظهر من هذا أن الواجب في الاستعارة الرد بعينه أو بدله.