الريح من أنواع المشموم. قوله:((فإنه خفيف المحمل)) أي قليل المنة، طيب الريح علة للنهي عن رد الهدية، يعني أن الهدية إذا كانت قليلة وتتضمن نفعاً تاماً فلا تردوها، لئلا يتأذى المهدي.
الحديث الثاني والثالث عن ابن عباس رضي الله عنهما: قوله: ((ليس لنا مثل السوء)) ((قض)): أي لا ينبغي لنا – يريد به نفسه والمؤمنين – أن نتصف بصفة ذميمة يساهمنا فيها أخس الحيوانات في أخس أحوالها. وقد يطلق المثل في الصفة الغريبة العجيبة الشأن، سواء كان صفة مدح أو ذم، قال الله تعالي:{لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ ولِلَّهِ المَثَلُ الأَعْلي} واستدل به علي عدم جواز الرجوع في الموهب بعد ما أقبض المتهب.
((مح)): هذا المثل ظاهر في تحريم الرجوع في الهبة والصدقة بعد إقباضهما، وهو محمول علي هبة الأجنبي إلا ما وهب لولده أو ولد ولده كما صرح به في حديث النعمان، هذا مذهب الشافعي ومالك والأوزاعي. وقال أبو حنيفة وآخرون: يرجع كل واهب إلا الوالد وكل ذي رحم محرم. ((تو)): محمل هذا المثل عند من يرى الرجوع في الهبة عن الأجنبي أنه علي التنزيه وكراهة الرجوع لا علي التحريم، ويستدل بحديث عمر رضي الله عنه حين أراد شراء فرس علي حمل عليه في سبيل الله، فسأل عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:((لا تبعته وإن أعطاكه بدرهم، ولا تعد في صدقتك، فإن العائد في صدقته [كالكلب يعود] في قيئه)). قال: فلما لم يكن هذا القول موجباً حرمة ابتياع ما تصدق به، فكذلك هذا الحديث لم يكن موجباً حرمة الرجوع في الهبة.
أقول: والعجب أن ما يدل علي تشديد الشيء والمبالغة في النهي عن رجوع الهبة كيف يجعل ذريعة إلي جوازه، وذلك أتى بقوله:((لا تبتعه)) يريد: احترز عن ذلك السوء كل الاحتراز، ولا تبتع الموهوب بأي طريق كان ولو بعقد شرعي. والله أعلم.