للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

نحلت ابني هذا غلاماً. فقال: ((أكل ولدك نحلت مثله؟)) قال: لا. قال: ((فأرجعه)). وفي رواية: أنه قال: أيسرك أن يكونوا إليك في البر سواء؟)) قال: بلي. قال: ((فلا إذن)). وفي رواية أنه قال: أعطإني أبي عطية، فقالت عمرة بنت رواحة: لا أرضي حتى تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني أعطيت ابني من عمرة بنت رواحة عطية، فأمرتني أن أشهدك يا رسول الله! قال: أعطيت سائر ولدك مثل هذا؟)) قال: لا. قال: ((فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم)). قال: فرجع فرد عطيته. وفي رواية: أنه قال: ((لا أشهد علي جور)). متفق عليه.

ــ

الحديث الرابع عن النعمان: قوله: ((إني نحلت)) ((نه)): النحل العطية والهبة ابتداء من غير عوض ولا استحقاق. يقال: نحله ينحله نحلا – بالضم – والنحلة – بالكسر – العطية. ((مح)): فيه استحباب التسوية بين الأولاد في الهبة فلا يفضل بعضهم علي بعض، سواء كانوا ذكورا أو إناثاً. قال بعض أصحابنا: ينبغي أن يكون للذكر مثل حظ الأنثيين، والصحيح الأول؛ لظاهر الحديث. فلو وهب بعضهم دون بعض فمذهب الشافعي ومالك وأبي حنيفة أنه مكروه وليس بحرام والهبة صحيحة. قال أحمد والثوري وإسحاق وغيرهم: هو حرام، واحتجوا بقوله: ((لا أشهد علي جور)) وبقوله: ((واعدلوا بين أولادكم)).

واحتج الأولون بما جاء في رواية ((فأشهد علي هذا غيري)) ولو كان حراماً أو باطلا لما قال هذا، وبقوله: ((فأرجعه)) ولو لم يكن نافذاً لما احتاج إلي الرجوع. فإن قيل: قال تهديداً. قلنا: الأصل خلافه، ويحمل هذا الإطلاق صيغة أفعل علي الوجوب أو الندب، وإن تعذر ذلك فعلي الإباحة. وأما معنى الجور فليس فيه أنه حرام؛ لأنه هو الميل عن الاستواء والاعتدال، وكل ما خرج عن الاعتدال فهو جور، سواء كان حراماً أو مكروهاً. وفيه جواز رجوع الوالد في هبته عن الولد. أقول: وبقوله: ((فلا إذن)) لأن ((إذن)) جواب وجزاء، فإنه صلى الله عليه وسلم لما قال: ((أيسرك أن يكونوا إليك في البر سواء)). أي: يكونوا بارين محسنين إليك لا عاقين، فقال: بلي. فأجابه: ((فلا إذن)) أي إذا كان كذلك فلا تفعل إذن، ولفظ السرور صريح في الاستحباب.

((حس)): في الحديث استحباب التسوية بين الأولاد في النحل وفي غيرها من أنواع البر حتى في القبل، ولو فعل خلاف ذلك نفذ. وقد فضل أبو بكر عائشة رضي الله عنهما بجذاذ عشرين وسقا، نحلها إياها دون سائر أولاده؛ وفضل عمر بن الخطاب رضي الله عنه عاصما بشيء أعطاه وفضل عبد الرحمن بن عوف ولد أم كلثوم. ((قض)): وقرر ذلك ولم ينكر عليهم، فيكون إجماعا.

<<  <  ج: ص:  >  >>