للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ــ

أقول: لا ارتياب أن الجلوس والقعود مترادفان، وأن استعمال القعود مع القيام والجلوس مع الاضطجاع مناسبة لفظية، ونحن نقول بموجبه إذا كانا مذكورين، كقوله تعالى: ((دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا)) لكن لم قلت: إنه إذا لم يكن أحدهما منه مذكوراً كان كذلك؟ ألا ترى إلى حديث جبريل عليه السلام ((حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم)) بعد قوله: ((إذا طلع علينا؟)) ولا خفاء أنه عليه السلام لم يضطجع بعد الطلوع عليهم، وكذلك لم يرد في هذا الحديث الاضطجاع ليوجب أن يذكر معه الجلوس، وأما الترجيح بما رواه عن النضر وهو من رواة العربية على رواية الشيخين الثقتين فبعيد عن مثله، وهو من مشاهير المحدثين.

قوله: ((في هذا الرجل لمحمد)) ((محمد)) بيان من الراوي للرجل، أي لأجل محمد عليه الصلاة والسلام، دعا له بالرجل من كلام الملك، فعبر بهذه العبارة التي ليس فيها تعظيم؛ امتحاناً للمسئول؛ لأن لا يتلقن تعظيمه عن عبارة القائل، ثم ((يثبت الذين آمنوا)). قوله: ((فيراهما جميعاً)) فيزداد فرحاً إلى فرح، ويعرف نعمة الله عليه بتخليصه من النار، وإدخاله الجنة، وأما الكافر فيزداد غماً إلى غم، وحسرة إلى حسرة، بتفويت الجنة وحصول النار.

قوله: ((لا دريت ولا تليت)) أي اتبعت الناس بأن تقول شيئاً يقولونه، ويجوز أن يكون من قولهم: تلا فلان تلو غير عاقل، إذا عمل عمل الجهال، أي لا علمت ولا جهلت، يعني هلكت فخرجت من القبيلتين. وقيل: لا قرأت، فقلبت الواو ياء للازدواج، معناه ما علمت بنفسي بالنظر والاستدلال، ولا اتبعت العلماء بالتقليد وقراءة الكتب.

قوله: ((ضربة)) أفرد ((الضربة)) وجمع ((المطارق)) على نحو قوله: ((معاً جياعاً)) ليؤذن بأن كل جزء من أجزاء تلك المطرقة مطرقة برأسها مبالغة، و ((الثقلان)) الإنس والجن، سميا به لثقلهما على الأرض، وإنما عزلا عن السماع لمكان التكليف والابتلاء، ولو سمعا ارتفع الابتلاء والامتحان، وصار الإيمان ضرورياً، لأعرضوا عن التدابير والصنائع ونحوهما مما يتوقع عليه بقاء الشخص والنوع، فينقطع معاشهم.

((مح)): اعلم أن مذهب أهل السنة والجماعة إثبات عذاب القبر، وقد تظاهرت عليه الدلائل من الكتاب والسنة، قال الله تعالى: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًا وعَشِيًا} الآية، وأما الأحاديث فلا تحصى كثرة، ولا مانع في العقل أن يخلق الله تعالى الحيوة في جزء من الجسد أو في جميعه – على الخلاف بين الأصحاب – فيثيبه ويعذبه، وإذا لم يمنعه العقل وورد الشرع به وجب قبوله واعتقاده. ولا يمنع من ذلك كون الميت قد تفرقت أجزاؤه، كما يشاهد في العادة، أو أكلته السباع والطيور وحيتان البحر، كما أن الله تعالى يعيده للمحشر، وهو سبحانه قادر على ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>