للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أن أحد كما كاذب، فهل منكما تائب؟)) ثم قامت، فشهدت فلما كانت عند الخامسة وقفوها، وقالوا: إنها موجبة. فقال ابن عباس: فتلكأت ونكصت حتى ظننا أنها ترجع، ثم قالت: لا أفضح قومي سائر اليوم، فمضت. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أبصروها، فإن جاءت به أكحل العينين سابغ الأليتين، خدلج الساقين؛ فهو لشريك بن سمحاء، فجاءت به كذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لولا ما مضى من كتاب الله؛ لكان لي ولها شأن)). رواه البخاري.

ــ

قوله: ((فلما كانت عند الحامسة)) ((قض)): أي عند الخامسة من شهادتها حبسوها ومنعوها عن المضي فيها، وهددوا وقالوا لها: إنها موجبة. وقيل: معنى ((وقفوها)) أطلعوها علي حكم الخامسة، وهو أن اللعان إنما يتم به ويترتب علي آثاره، وأنا موجبة للعن مؤدية إلي العذاب إن كانت كاذبة. ((فتلكأت)) أي توقفت، يقال: تلكأ في الأمر تلكؤ إذا تبطأ عنه وتوقف فيه. ((ونكصت)) في تكذيب الزوج، ودعوى البراءة عما رماها به. ((لا أفضح قومي سائر اليوم)) أي جميع الأيام وأبد الدهر وفيما بقي من الأيام بالإعراض عن اللعان والرجوع إلي تصديق الزوج، وأريد بـ ((اليوم)) الجنس؛ ولذلك أجراه مجرى العام والسائر كما يطلق للباقي يطلق للجميع. ((فمضت)) أي في الخامسة وأتمتها. و ((أكحل العينين)) الذي يعلو جفون عينيه سواد مثل الكحل من غير اكتحال، ويقال: رجل كحيل وامرأة كحلاء. ((سابغ الأليتين)) كبيرهما، يقال للشيء إذا كان تاما وافيا وافرا: إنه سابغ، وفي إتيان الولد علي الوصف الذي ذكره صلى الله عليه وسلم هنا وفي قصة عويمر بأحد الوصفين المذكورين مع جواز أن يكون علي خلاف ذلك معجزة وإخبار بالغيب.

قوله: ((لولا ما مضى من كتاب الله)) أي من حكمه بدرء الحد عن المرأة بلعانها لكان لي ولها شأن في إقامة الحد عليها. وفي ذكر ((شأن)) وتنكيره تهويل وتفخيم لما كان يريد أن يفعل بها، أي لفعلت بها لتضاعف ذنبها ما يكون عبرة للناظرين وتذكرة للسامعين. وفي الحديث دليل علي أن الحاكم لا يلتفت إلي المظنة والأمارات، وإنما يحكم بظاهر ما تقتضيه الحجج والأيمان.

قال الإمام الشافعي رضي الله عنه في مسنده في باب أبطال الاستحسان: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا: ((إن أمره لبين لولا ما قضى الله)) يعني إنه لمن زنا لولا ما قضى الله من أن لا يحكم علي أحد إلا بإقرار أو اعتراف علي نفسه، لا يحل بدلالة غير واحد منهما وإن كانت بينه، فقال: ((لولا ما قضى الله لكان لي فيها قضاء غيره))، ولم يعرض لشريك ولا للمرأة. والله أعلم, وأنفذ الحكم وهو يعلم أن أحدهما كاذب، ثم علم أن الزوج هو الصادق – انتهي

<<  <  ج: ص:  >  >>