٣٣٣٢ - عن زينب بنت كعب: أن الفريعة بنت مالك بن سنان – وهي أخت أبي سعيد الخدري – أخبرتها أنها جاءت إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله أن ترجع إلي أهلها
ــ
وفي الحديث دليل علي وجوب الإحداد علي المعتدة من وفاة زوجها، وهو مجمع عليه في الجملة، وإن اختلفوا في تفصيله، فذهب الشافعي والجمهور إلي التسوية بين المدخول بها وغيرها، سواء كانت صغيرة أو كبيرة، بكرا أو ثيبا، حرة أو أمة، مسلمة أو كافرة. وقال أبو حنيفة والكوفيون وبعض المالكية: لا يجب علي الكتابية بل يختص بالمسلمة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:((لا مرأة تؤمن بالله واليوم الآخر))، وتأويل الجمهور بأن الاختصاص إنما هو، لأن المؤمن هو الذي يستمر خطاب الشارع عليه وينتفع به وينقاد له.
وقال أبو حنيفة: لا إحداد أيضا علي الصغيرة ولا علي الأمة. وجوابه أن الصغيرة إنما دخلت في الحكم، لكونها نادرة فسلكت في الحكم علي سبيل الغلبة، والتقيد بقوله:((أربعة أشهر وعشرا)) خرج علي غالب المعتدات اللاتي يعتددن بالأشهر، أما إذا كانت حاملا فعدتها بالحمل ويلزمها الإحداد حتى تضع، سواء قصرت المدة أو طالت.
وقالوا: الحكمة في وجوب الاحداد في عدة الوفاة دون الطلاق، أن الزينة والتطيب يستدعيان النكاح فنهت عنه زجرا؛ لأن الميت لا يتمكن من منع معتدته من النكاح، بخلاف المطلق الحي؛ فإنه يستغنى بوجوده عن زاجر آخر. وجعلت أربعة أشهر؛ لأن فيها ينفخ الروح في الولد، وعشرا للاحتياط.
أقول: الاستثناء في قوله: ((إلا علي زوج)) متصل إذا جعل قوله: ((أربعة أشهر)) منصوبا بمقدر بيانا لقوله: ((فوق ثلاث)) أي أعني أو أذكر، فهو من باب قوله: ما اخترت إلا منكم رفيقا؛ لكون ما بعد ((إلا)) شيئين، فيقدم المفسر – أعني أربعة أشهر – علي الاستثناء، تقديره: لا تحد المرأة علي ميت فوق ثلاث – أعني أربعة أشهر – إلا علي زوج، أو من باب قولك: ما ضرب أحد أحدا إلا زيد عمرا، وإذا جعل معمولا لـ ((تحد)) مضمرا كان أو منقطعا. فالتقدير: لا تحد امرأة علي ميت فوق ثلاث، لكن تحد علي زوج أربعة أشهر.
الفصل الثاني
الحديث الأول عن زينب: قوله: ((امكثي في بيتك)) ((حس)): اختلفوا في السكنى للمعتدة عن الوفاة. وللشافعي فيه قولان: فعلي الأصح لها السكنى، وبه قال عمر وعثمان وعبد الله بن عمر وعبد الله بن مسعود. وقالوا: إذنه صلى الله عليه وسلم لفريعة أولا صار منسوخا بقوله: ((امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله)). وفيه دليل علي جواز نسخ الحكم قبل الفعل. والقول الثاني أن لا سكنى لها بل تعتد حيث شاءت. وهو قول علي وابن عباس وعائشة رضي الله عنهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لفريعة أن ترجع إلي أهلها. وقوله لها آخرا:((امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله)) أمر استحباب – انتهي كلامه. ((حتى يبلغ الكتاب أجله)) أي حتى تنقضي العدة. وإنما سميت العدة