لم يقدره الله لكم أو تصرفون عن أنفسكم ما جرى القضاء به عليكم. وإذا فعلتم ذلك فاخرجوا منه بالوفاء؛ فإن الذي نذرتموه لازم لكم.
أقول: تحريره أنه علل النهي بقوله: ((فإن النذر لا يغني من القدر ونبه به علي أن النذر المنهي عنه هو النذر المقيد الذي يعتقد أنه يغني من القدر بنفسه، كما زعموا. وكم نرى في عهدنا جماعة يعتقدون ذلك؛ لما شاهدوا من غالب الأحوال حصول المطالب بالنذر. وأما إذا نذر واعتقد أن الله تعالي هو الذي يسهل الأمور، وهو الضار النافع، والنذور كالذرائع والوسائل، فيكون الوفاء بالنذر طاعة، ولا يكون منهياً عنه، كيف وقد مدح الله تعالي الخيرة من عباده بقوله جل ثناؤه:{يُوفُونَ بِالنَّذْرِ ويَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا}{نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا}؟ وأما معنى ((وإنما يستخرج به من البخيل)) فإن الله تعالي يحب البذل والإنفاق، فمن سمحت أريحته فذاك، وإلا فشرع النذور ليستخرج بها مال البخيل اضطراراً، فيتسمح ويفوز بما يحبه الله تعالي من البذل.
الحديث الثاني والثالث والرابع عن عائشة رضي الله عنها: قوله: ((فليطعه)) ((حس)): فيه دليل علي أن من نذر طاعة يلزمه الوفاء به، وإن لم يكن معلقاً بشيء، وأن من نذر معصية لا يجوز الوفاء به، ولا يلزمه الكفارة؛ إذ لو كانت فيه قيمة الكفارة، لأشبه أن يكون صلى الله عليه وسلم بينه، فعلي هذا لو نذر صوم يوم العيد لا يجب عليه شيء، ولو نذر نحر ولده باطل. وإليه ذهب جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وهو قول مالك والشافعي. فأما إذا نذر مطلقاً فقال: علي نذر ولم يسم شيئاً، فعليه كفارة اليمين؛ لما روى عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كفارة النذر إذا لم يسم كفارة اليمين)). وروى عن ابن عباس أنه قال:((من نذر نذراً لم يسمه فكفارته كفارة اليمين، ومن نذر شيئاً لا يطيقه فكفارته كفارة اليمين))