٣٤٥٥ - وعن جندب بن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كان فيمن كان قبلكم رجل به جرح، فجزع فأخذ سكيناً، فحز بها يده فمارقأ الدم حتى مات. قال الله تعالي: بادرني عبدي بنفسه فحرمت عليه الجنة)) متفق عليه.
٣٤٥٦ - وعن جابر: أن الطفيل بن عمرو الدوسي لما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلي المدينة هاجر إليه، وهاجر معه رجل من قومه، فمرض فجزع، فأخذ مشاقص له، فقطع بها براجمه، فشخبت يداه، حتى مات، فرآه الطفيل بن عمرو في منامه وهيئته حسنة ورآه مغطياً يديه. فقال له: ما صنع بك ربك؟ فقال: غفر لي بهجرتي إلي نبيه صلى الله عليه وسلم. فقال: ما لي أراك مغطياً يديك؟ قال: قيل لي: لن نصلح منك ما أفسدت، فقصها الطفيل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((اللهم وليديه فاغفر)) رواه مسلم.
ــ
الحديث الثامن والتاسع عن جندب: قوله: ((فما رقأ الدم)) ((نه)): يقال: رقأ الدمع والدم والعرق يرقأ رقواً انقطع، والاسم منه الرقو بالفتح.
الحديث العاشر عن جابر: قوله: ((مشاقص)) ((نه)): المشقص نصل السهم إذا كان طويلا غير عريض. و ((البراجيم)) هي العقد التي في ظهور الأصابع يجتمع فيها الوسخ، الواحدة برجمة بالضم. والشخب السيلان، وأصل الشخب ما خرج من تحت يد الحالب عند كل غمزة. ((تو)): هذا الحديث وإن كان فيه ذكر رؤيا الصحابي للاعتبار بما يؤول تعبيره، فإن قول النبي صلى الله عليه وسلم ((اللهم وليديه فاغفر)) من جملة ما ذكرنا من الأحاديث الدالة علي أن الخلود غير واقع في حق من أتى بالشهادتين وإن قتل نفسه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا للجإني علي نفسه بالمغفرة، ولا يجوز في حقه أن يستغفر لمن وجب عليه الخلود بعد أن نهي عنه، مع ما يدل علي كونه صحيح الحال في قصة الرؤيا من ذكر الهيئة الحسنة.
أقول: قوله: ((وليديه فاغفر)) عطف من حيث المعنى علي قوله: ((قيل لي: لن نصلح منك ما أفسدت)) لأن التقدير: قيل لي غفرنا لك سائر أعضائك إلا يديك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((اللهم ليديه فاغفر)) اللام متعلق بقوله: ((فاغفر)) والفاء داخلة لمعنى الشرط، كأنه قيل: وما كان فلا تحرمه غفرانك، نحو قوله تعالي:{ورَبَّكَ فَكَبِّرْ} كأنه قيل: وما كان فلا تدع تكبيره؛ ففيه التأكيد والمبالغة ليطابق التشفع الوعيد بقوله:((لن نصلح ما أفسدت))؛ فإن ((لن)) لتأكيد النفي في المستقبل.