الكشاف في قوله تعالي:{ومَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا}: فإن قلت: هل فيها دليل علي خلود من لم يتب من أهل الكبائر؟ قلت: ما أبين الدليل فيها، وهو تناول قوله:((ومن يقتل)) أي قاتل كان من مسلم أو كافر تائب أو غير تائب، إلا أن التائب أخرجه الدليل، فمن ادعى إخراج المسلم علي التائب فليأت بدليل مثله. وقد أتينا في فتوح الغيب بالدليل، وهو أن الذي يقتضيه نظم الآيات أن الآية من أسلوب التغليظ كقوله تعالي:{ولِلَّهِ عَلي النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ - إلي قوله - ومَن كَفَرَ} وبيان أن قوله تعالي: {ومَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا} دل علي أن قتل المؤمن ليس من شأن المؤمن، ولا يستقيم منه ولا يصح له ذلك؛ فإنه إن فعل خرج عن أن يقال: إنه مؤمن؛ لأن ((كان)) هنا نحو ((كان)) في قوله تعالي {مَا كَانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن ولَدٍ} والمعنى فلم يصح ولم يستقم، وقد نص علي هذا في الكشاف.
ثم استثنى من هذا العام قتل الخطأ تأكيداً ومبالغة، أي لا يصح ولا يستقيم إلا في هذه الحالة، وهذه الحالة منافية لقتل العمد، فإذا لا يصح منه قتل العمد البتة، ثم ذيل هذه المبالغة تغليظاً وتشديداً بقوله:{ومَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ ولَعَنَهُ وأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} يعني كيف يستقيم القتل من المؤمن عمداً، وإنه من شأن الكفار الذين جزاؤهم خلود في النار وحلول غضب الله ولعنه عليهم؟ وعلي هذا الأسلوب فسر قوله تعالي:{الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ - إلي قوله - والْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} جعل ترك الزكاة من صفات الكفار، أي الكافرون هم الذين يتركون الزكاة، فعلي المؤمن أن لا يتصف بصفتهم. وكتابه سبحانه مشحون من هذا الأسلوب، فعلي هذا الحديث كالآية في التغليظ.
والحق أنه إن صدر عن المؤمن مثل هذا الذنب فمات ولم يتب، فحكمه إلي الله تعالي إن شاء عفا عنه وإن شاء عذبه بقدر ما يشاء ثم يخرجه إلي الجنة. فإن قلت: لم خص إحدى القرينتين يعني من مات بالماضي والأخرى بالمضارع؟ قلت: تقرر عند علماء المعإني أن نحو فلان يقرى الضيف ويحمي الحريم يفيد الاستمرار، وأن ذلك من شأنه ودأبه، وقد سبق آنفاً أن قتل العمد من شأن الكفار ودأبهم، وليس من شأن لمؤمن؛ فلذلك كان بالمضارع أجدر.