الجاهلية فإن الإسلام لا يزيده إلا شدة، المؤمنون يد علي من سواهم، يجير عليهم أدناهم، ويرد عليهم أقصاهم، يرد سراياهم علي قعيدتهم، لا يقتل مؤمن بكافر، دية الكافر نصف دية المسلم، لا جلب ولا جنب، لا تؤخذ صدقاتهم إلا في دورهم)). وفي رواية قال:((دية المعاهد نصف دية الحر)) رواه أبو داود. [٣٤٩٦]
ــ
والاتفاق، فما كان منه في الجاهلية علي الفتن والقتال والغارات؛ فذلك الذي ورد النهي عنه في الإسلام بقوله صلى الله عليه وسلم:((لا حلف في الإسلام)) وما كان منه في الجاهلية علي نصرة المظلوم وصلة الأرحام كحلف المطيبين وما جرى مجراه، فذلك الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم:((وأيما حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة)).
و ((حلف المطيبين)) هو الذي اجتمع بنو هاشم وبنو زهرة وتيم في دار ابن جدعان في الجاهلية، وجعلوا طيباً في جفنة وغمسوا أيديهم فيه، وتحالفوا علي التناصر والأخذ للمظلوم من الظالم، فسموا المطيبين. وأما الأحلاف فهم ست قبائل: عبد الدار وجمح ومخزوم وعدي وكعب وسهم، سموا بذلك؛ لأنه لما أرادت بنو عبد مناف أخذ ما في أيدي عبد الدار من الحجابة والرفادة واللواء والسقاية، وأثبت عبد الدار عقد كل قوم علي أمرهم حلفاً مؤكداً علي أن لا يتخاذلوا. فسموا الأحلاف لذلك. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم من المطيبين، وعمر من الأحلاف.
وثإنيهما: ما ذكره التوربشتي ولخصه القاضي، كان أهل الجاهلية يتعاهدون فيعاقد الرجل الرجل، ويقول له: دمي دمك وهدمي هدمك وثأري ثأرك وحربي حربك وسلمي سلمك، ترثني وأرثك، وتطلب بي وأطلب بك، وتعقل عني وأعقل عنك. فيعدون الحليف من القوم الذين دخل في حلفهم ويقررون له وعليه مقتضى الحلف والمعاقدة غنماً وغرماً، فلما جاء الإسلام قررهم علي ذلك؛ لاشتماله علي مصالح من حقن الدماء والنصر علي الأعداء، وحفظ العهود والتألف بين الناس، حتى كان يوم الفتح فنفي ما أحدث في الإسلام لما في رابطة الدين من الحث علي التعاضد والتعاون ما نعتهم من المخالفة. وقرر ما صدر عنهم في أيام الجاهلية وفاء بالعهود وحفظاً للحقوق. لكن نسخ من أحكامه التوارث وتحمل الجنايات، بالنصوص الدالة علي اختصاص ذلك بأشخاص مخصوصة وارتباطه بأسباب معينة معدودة.
أقول: يلزم علي الوجه الأول التخصيص؛ لأنه لما نفي جنس الحلف علي الفتن والغارات، وعلي نصرة المظلوم وصلة الأرحام أتبعه قوله:((وما كان من حلف)) أي حلف صدق واتفاق علي نصرة المظلوم مخصصاً للعام، فلا يلزم النسخ علي مذهبنا، وعلي الوجه الثاني منسوخ. وقوله:((المؤمنون يد علي من سواهم)) يؤيد الوجه الثاني؛ لأنه جملة مبنية لنفي الحلف المخصوص في