١٤١ - وعن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدى محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة)) رواه مسلم [١٤١].
ــ
الحديث الثاني عن جابر رضي الله عنه: قوله: ((أما بعد)) هاتان الكلمتان يقال لهما فصل الخطاب، وأكثر استعمالهما بعد تقدم قصة، أو حمد لله تعالى، والصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام، والأصل أن يقال: أما بعد حمد الله تعالى، و ((بعد)) إذ أضيف إلى شيء ولم يقدم عليه حرف جر فهو منصوب على الظرف، وإذا قطع عنه المضاف إليه يبنى على الضم، والمفهوم منهما أنه عليه الصلاة والسلام قال ذلك في أثناء خطبته ووعظه، وأنشد التوربشتي لسحبان:
لقد علم الحي اليمانون أنني إذا قلت:((أما بعد)) أني خطيبها
((تو)): والفاء لازمة لما بعد ((أما)) من الكلام، لما فيها من معنى الشرط.
أقول:((أما)) وضع للتفصيل، فلابد من التعدد، روى صاحب المرشد عن أبي حاتم: أنه لا يكاد يوجد في التنزيل ((أما)) وما بعدها إلا وتثنى أو تثلث، كقوله تعالى:{أَمَّا السَّفِينَةُ}، و {وأَمَّا الغُلامُ}، و {وأَمَّا الجِدَارُ} وعامله مقدر أي مهما يكن من شيء بعد تلك القصة؛ فإن خير الحديث كتاب الله، فالذي يتضمن القرينة السابقة قول الراوي في الحديث:((إذا خطب احمرت عيناه، وعلا صوته، واشتد غضبه، حتى كأنه منذر جيش يقول: صبحكم ومساكم، ويقول: بعثت أنا والساعة كهاتين – ويفرق بين إصبعيه السبابة والوسطى – ويقول: ((أما بعد)) إلى آخره.
و ((الهدى)) السيرة، يقال: هدى هدى زيد، إذا سار سيرته، من: تهادت المرأة في مشيها إذا تبخترت. ولا يكاد يطلق إلا على طريقة حسنة، وسنة مرضية، ولذلك حسن إضافة الخير إليه، والشر إلى الأمور. واللام في ((الهدى)) للاستغراق؛ لأن أفعل التفضيل لا يضاف (إلا) إلى متعدد وهو داخل فيه؛ ولأنه لو لم تكن للاستغراق لم تفد المعنى المقصود، وهو تفضيل دينه وسنته على سائر الأديان والسنن. وروى ((شر الأمور)) بالنصب، عطفاً على اسم ((إن)) وبالرفع، عطفاً على محل ((إن)) مع اسمه.
و ((المحدثات)) – بالفتح – جمع محدثة، والمراد بها البدع والضلالات من الأفعال والأقوال. يعني كل خصلة أتى بها جديداً فهي مخالفة للسنة، وكل مخالفة للسنة ضلالة؛ فحينئذ يكون