يعني فليجتنب الوجه؛ فإنه تعالي كرمه وشرفه بأحسن صورة، وجمع فيه المحاسن والحواس والإدراكات، والضرب في الوجه قد ينقصها ويشوه الحسن ويظهر الشين الفاحش ولا يمكن ستره، وخلق آدم عليه السلام علي تلك الصورة فلا تضربه تكريما لصورة آدم؛ فإنك إن ضربتها فقد أهنتها. ونظيره ما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال:((تسمون أولادكم محمدا فتلعنونهم)) أنكر اللعن إجلالا لاسمه، كما الضرب علي الوجه تعظيما لصورة آدم عليه السلام.
والثالث: أن الضمير راجع إلي الله تعالي، وهو اختيار الشيخ التوربشتي، قال: وإنما الوجه فيه أن يكون الضمير فيه راجعا إلي الله سبحانه وتعالي تشريفا وتكريما، وكالإضافة في بيت الله وناقة الله؛ لما صح من طرق هذا الحديث: فإن الله تعالي خلق آدم علي صورة الرحمن.
قال الشيخ محي الدين: هذا الحديث بهذا اللفظ ثابت، ورواه بعضهم أن الله خلق آدم علي صورة الرحمن، وهو ليس بثابت عند أهل الحديث، كأن من رواه نقله بالمعنى الذي وقع له وغلط في ذلك انتهي كلامه. وفي هذا القول وجوه: أولها أن يجري علي ظاهره وهو قول ابن قتيبة. ((مح)): قال المازري: وقد غلط ابن قتيبة فيه، وقال: إن لله تعالي صورة لا كالصورة وهو ظاهر الفساد؛ لأن الصورة تفيد التركيب، وكل مركب محدث، وتعالي الله عن ذلك. وقالت المجسمة: جسم ليس كالأجسام؛ لما سمعوا من أهل السنة أنه تعالي شيء لا كالأشياء طردوا هذا الاستعمال. والفرق ظاهر، من ابن قتيبة في قوله:((صورة لا كالصورة))، مع أن ظاهر الحديث علي رأيه يقتضي خلق آدم علي صورته، فالصورتان علي رأيه سواء، فإذا قال: لا كالصورة ناقص. انتهي كلامه.
وثإنيها: قول القاضي: إن صحت هذه الرواية تعين أن يكون الضمير لله تعالي، ويكون المعنى أن الله تعالي خلق آدم علي صورة اجتباها وجعلها نتيجة من جملة مخلوقاته؛ إذ ما من موجود إلا وله مثال في صورته؛ ولذلك قيل: الإنسان عالم صغير، ثم إن مجمع محاسنه ومظهر لطائف الصنع فيه هو الوجه، فبالحري أنه يحافظ عليه، ويتجوز عما يشوهه فلا يناسب أن يجرح ويقبح. وإن لم يصح يحتمل ذلك.
وثالثها: قال بعضهم: إن الصورة بمعنى الأمر والشأن أي خلق آدم علي حاله وشأنه في كونه مسجودا للملائكة، مالكا للحيوانات في كونها مسخرة له، تحقيقا لقوله تعالي:{إني جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} تعظيما واحتراما لشانه، كقوله صلى الله عليه وسلم: الحجر الأسود يمين الله في الأرض)) لأنه مخصوص بالتقبيل والاستلام تعظيما كيمين الملك في حق من يتقرب إليه. فإذن