٣٥٣٢ - عن رافع بن خديج، قال: أصبح رجل من الأنصار مقتولا بخيبر، فانطلق أولياؤه إلي النبي صلى الله عليه وسلم فذكرا ذلك له، فقال:((ألكم شاهدان يشهدان علي قاتل صاحبكم؟)) قالوا: يا رسول الله! لم يكن ثم أحد من المسلمين، وإنما هم يهود، وقد يجترئون علي أعظم من هذا، قال:((فاختاروا منهم خمسين فاستحلفوهم)) فأبوا، فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده. رواه أبو داود. [٣٥٣٢]
ــ
سماع صورة القضية، فإذا أريد حقيقة الدعوى تكلم صاحبها. ويحتمل أن عبد الرحمن وكل حويصة في الدعوى.
فإن قيل: كيف عرضت اليمين علي الثلاثة والوارث هو عبد الرحمن خاصة واليمين عليه؟ والجواب: أطلق الجواب، لأنه غير ملتبس أن المراد به الوارث لما سمع كلام الجمع في صورة القتيل، وكيفية ما جرى له وإن كانت حقيقة الدعوى وقت الحاجة مختصة بالوارث. وأما ما يروى ((فتستحقون قاتلكم))، فمعناه ثبت حقكم علي من حلفتم عليه. وفيه فضيلة السن عند التساوي في الفضائل، كالإمامة وولاية النكاح وغير ذلك. قوله:((استحقوا قتيلكم)) ((قض)): يريد باستحقاق القتيل استحقاقه ديته، ويدل عليه ماروى مالك بإسناده عن سهل بن حثمة أنه صلى الله عليه وسلم قال:((إما أن تؤدوا صاحبكم وإما أن تؤذنوا بحرب من الله ورسوله))، فيحلف المدعي خمسين ويستحق دية قتيله دون القصاص لضعف الحجة، فإن اليمين ابتداء دخيل في الأسباب. وقال أصحابي أبي حنيفة: لا يبدأ بيمين المدعي بل يختار الإمام خمسين رجلا من صلحاء أهل المحلة التي وجد فيها القتيل، وحصل اللوث في حقهم، ويحلفهم علي أنهم ما قتلوه ولا عرفوا له قاتلا، ثم يأخذ الدية من أرباب الخطة، فإن لم يعرف فمن سكانها. وهو يخالف الحديث من وجهين: الأول: أن الروايات الصحيحة كلها متطابقة علي أنه صلى الله عليه وسلم بدأ بالمدعين، وجعل يمين الرد علي اليهود. والثاني: أنه قال: ((فتبرئكم يهود من أيمان خمسين))، فإيجاب الدية معها يخالف النص والقياس أيضا، أو ليس في شيء من الأصول اليمين مع الغرامة، بل إنما شرعت للبرآة والاستحقاق، وفيه أن من توجه عليه الحف أولا فلم يحلف رد الحلف علي الآخر، وأن من توجه عليه اليمين حلف وإن كافرا.
وقال مالك: لا تقبل أيمان الكفرة علي المسلمين كما لا تقبل شهادتهم. وإنما ودي رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبله، أي من عند نفسه، لأنه كره إبطال الدم وإهداره، ولم ير غير اليمين علي اليهود ولم يكن القوم راضين بأيمانهم واثقين عليها.
الفصل الثالث
الحديث الأول عن رافع: قوله: ((وإنما هم يهود)) في تعريف المبتدأ والخبر، وإيتان ((إنما)) المفيد للحصر مع من يعرفهم حق المعرفة إيذان بأن المراد به الوصف الذي اشتهر وتعورف منهم من المكر والخديعة والنفاق، علي نحو قول الشاعر: