سفر، فانطلق لحاجته، فرأينا حمرة معها فرخان، فأخذنا فرخيها. فجاءت الحمرة فجعلت تفرش، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:((من فجع هذه بولدها؟ ردوا ولدها إليها)). ورأي قرية نمل قد حرقناها، قال:((من حرق هذه؟)) فقلنا: نحن. قال:((إنه لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار)) رواه أبو داود. [٣٥٤٢]
٣٥٤٣ - وعن أبي سعيد الخدري، وأنس بن مالك، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((سيكون في أمتي اختلاف وفرقة، قوم يحسنون القيل ويسيئون الفعل، يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية، لا يرجعون حتى
ــ
كالعصفور، وتكون دهساء وكدراء ورقشاء، والدهساء هي التي يكون لها غبرة تضرب إلي الحمرة. قوله: ((تفرش)) ((نه)): هو أن تفرش جناحيها، وتقرب من الأرض وترفرف. والتفريش أن ترتفع وتظلل بجناحيها علي من تحتها.
قوله:((لا ينبغي أن يعذب)) ((قص)): إنما منع التعذيب بالنار؛ لأنه أشد العذاب؛ ولذلك أوعد بها الكفار. أقول: لعل المنع من التعذيب بها في الدنيا؛ لأن الله تعالي جعل النار فيها لمنافع الناس وارتفاقهم، فلا يصح منهم أن يستعملوها في الإضرار، ولكن له أن يستعملها فيه؛ لأنه ربها ومالكها يفعل ما يشاء من التعذيب بها والمنع منه، وإليه أشار بقوله:((رب النار)) وقد جمع الله تعالي الاستعمالين في قوله: {نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً ومَتَاعًا لِّلْمُقْوِينَ} أي تذكيراً لنار جهنم لتكون حاضرة للناس يذكرون ما أوعد به، وعلقنا بها أسباب المعايش كلها.
الحديث الثالث عن أبي سعيد رضي الله عنه: قوله: ((سيكون في أمتي اختلاف)) فيه وجهان أحدهما: أن يقدر مضاف أي أهل اختلاف وفرقة. وقوله:((قوم يحسنون)) إلي آخره، بدل منه وموضع له، وثإنيهما: أن يراد به نفس الاختلاف، أي سيحدث فيهم اختلاف وتفرق، فيتفرقون فرقتين فرقة حق وفرقة باطل. ويؤيد هذا التأويل قوله صلى الله عليه وسلم في الفصل الأول:((تكون أمتي فرقتين فيخرج من بينهما مارقة، يلي قتلهم أولاهم بالحق)) فقوم مبتدأ موصوف بما بعده، والخبر ((يقرءون القرآن)) بيان لإحدى الفرقتين، وتركت الثانية للظهور. قوله:((يحسنون القيل)) أي القول، يقال: قلت قولا وقالا وقيلا، قال الله تعالي:{ومَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً}.
قوله:((لا يجاوز تراقيهم)) ((نه)): التراقي جمع ترقوه، وهي العظم الذي بين ثغر النحر والعاتق، وهما ترقوتان من الجانبين. ووزنها فعلوة – بالفتح – انتهي كلامه. وفيه وجوه أحدها: