فقد استقال هجرته، ومن نزع صغار كافر من عنقه فجعله في عنقه فقد ولي الإسلام ظهره)) رواه أبو داود. [٣٥٤٦]
٣٥٤٧ - وعن جرير بن عبد الله، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية إلي خثعم، فاعتصم ناس منهم بالسجود، فأسرع فيهم القتل، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأمر لهم بنصف
ــ
الحديث الخامس والسادس عن أبي الدرداء: قوله: ((بجزيتها)) يحتمل أن يكون صفة لـ ((أرضاً)) أي متلبسة بجزيتها. ((مظ)): معنى الجزية هاهنا الخراج، يعني المسلم إذا اشترى أرضاً خراجية من كافر فإن الخراج لا يسقط عنه. وإلي هذا ذهب أصحاب أبي حنيفة، والخراج عند الشافعي علي وجهين: أحدهما جزية، والآخر بمعنى الكراء والأجرة، فإذا فتحت الأرض صلحاً علي أن أرضها لأهلها، فما وضع عليها من خراج فمجراه مجرى الجزية التي تؤخذ من رءوسهم، فمن أسلم منهم سقط ما عليه من الخراج، كما يسقط ما علي رقبته من الجزية، ولزمه العشر فيما أخرجت أرضه. ويحتمل أن يكون حالاً من الفاعل.
((تو)): أريد بالجزية في الحديث الخراج الذي يوضع علي الأرض التي تترك في يد الذمي فيأخذها المسلم عنه متكفلا بما يلزمه من ذاك. وتسميته بالجزية؛ لأنه يجري في الموضوع علي الأرض المتروكة في أيدي أهل الذمة، مجراها فيما يؤخذ من رءوسهم. وإنما قال:((فقد استقال هجرته)) لأن المهاجر له الحظ الأوفر والقدح المعلي في مال الفيء يؤخذ من أهل الذمة ويرد عليه، فإذا أقام نفسه في مقام الذمي في أداء ما يلزمه من الخراج، فقد أحل نفسه في ذلك محل من عليه ذلك بعد أن كان له، فصار كالمستقيل عن هجرته بتبخيس حق نفسه.
((قض)): ومن تحمل جزية كافر وتحمل عنه صغاره، فكأنه ولي الإسلام من حيث إنه بذل إعزاز الدين بالتزام ذل الكفر وتحمل صغاره، وللعلماء في صحة ضمان المسلم عن الذمي بالجزية خلاف. ولمن منع أن يتمسك بهذا الحديث. أقول: قوله: ((ومن نزع صغار كافر)) إلي آخره تذييل وهو أن يقطع الكلام بما يعم ويشتمل علي المعنى السابق، وتوكيد لا محل له من الإعراب. وكذلك هنا؛ لأن معنى الأول أخص من الثاني، والثاني مقرر له ومؤكد لمعناه وأعم.
فإن قلت: قد تعورف واشتهر أن ضرب الجزية كناية عن الذلة والصغار، فما بال الهجرة كنى بها عن العزة؟ قلت: لأنها مبدأ عزة الإسلام ومنشأ رفعته؛ حيث نصر الله صاحبها بالأنصار وأعز الدين بهم، وفل شوكة المشركين وقطع شأفتهم واستأصلها.
الحديث السابع عن جرير رضي الله عنه: قوله: ((بنصف العقل)) ((مظ)): إنما لم يكمل لهم الدية بعد علمه صلى الله عليه وسلم بإسلامهم؛ لأنهم أعانوا علي أنفسهم بمقامهم بين ظهرإني الكفار، فكانوا كمن هلك بجناية نفسه وجناية غيره فتسقط حصة جنايته من الدية. ((تو)): قوله: ((أنا بريء)) يحتمل أن يكون المراد منه البراءة من دمه، وأن تكون البراءة من موالاته.