للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

العقل، وقال: ((أنا بريء من كل مسلم مقيم بين أظهر المشركين)) قالوا: يا رسول الله! لم؟ قال: ((لا تتراءى ناراهما)) رواه أبو داود. [٣٥٤٧]

٣٥٤٨ - وعن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((الإيمان قيد الفتك، لا يفتك مؤمن)) رواه أبو داود. [٣٥٤٨]

ــ

قوله: ((لا تتراءى ناراهما)) هو علة لبراءته صلى الله عليه وسلم منهم، يعني لا يصح ولا يستقيم للمسلم أن يساكن الكافر ويقترب منه، ولكن يبعد بحيث لا تتراءى ناراهما، فهو كناية عن البعد البعيد. وذكروا فيه وجوهاً: أولها: قال أبو عبيدة: أي لا ينزل المسلم بالموضع الذي يرى ناره المشرك إذا أوقد، ولكنه ينزل مع المسلمين في دراهم؛ لأن المشرك لا عهد له ولا أمان. وثإنيها: قال أبو الهيثم: لا يتسم المسلم بسمة المشرك ولا يتشبه به في هديه وشكله، ولا يتخلق بأخلاقه من قولك: ما نار نعمك أي ما سمتها. وثالثها: قال أبو حمزة: أي لا يجتمعان في الآخرة لبعد كل منهما عن صاحبه.

ورابعها: قال في الفائق: معناه يجب عليهما أن يتباعد منزلاهما بحيث إذا أوقدت فيهما ناران لم تلج إحداهما للأخرى. وإسناد التراءى إلي النار كقولهم: دور بني فلان متناظرة. والتراءى تفاعل من الرؤية، يقال: تراءى القوم، إذا رأي بعضهم بعضاً. وخامسها: قال القاضي: أي ينبغي أن لا يسكن مسلم حيث كافر ولا يدنو منه حيث تتقابل نارهما وتقرب إحداهما من الأخرى، حتى يرى كل منهما نار الآخر، فنزل رؤية الموقد منزلة رؤيتها إن كان لها، وهو من قول أبي عبيدة. وسادسها: قال التوربشتي: أراد نار الحرب، أي هما علي طرفين متباعدين؛ فإن المسلم يحارب لله ورسوله مع الشيطان وحزبه، ويدعو إلي الله بحزبه، والكافر يحارب الله ورسوله ويدعو إلي الشيطان، فكيف يتفقان ويصلح أن يجتمعان.

((مظ)): فيه دليل علي أن المسلم إن كان أسيراً في أيدي الكفار، وأمكنه الخلاص والانفلات منهم، لم يحل له المقام معهم، وإن حلفوه أن لا يخرج كان الواجب أن يخرج إلا أنه إن كان مكرهاً علي اليمين لم تلزمه الكفارة.

الحديث الثامن عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((قيد)) أي منع. ((نه)): أي أن الإيمان يمنع من الفتك كما يمنع القيد عن التصرف، فكأنه جعل الفتك مقيداً. ومنه قولهم في صفة الفرس: هو قيد الأوابد يريدون أنه يلحقها بسرعة، فكأنها مقيدة لا تعدو والفتك أن يأتي الرجل صاحبه وهو عار غافل فيشتد عليه فيقتله. والغيلة أن يخدعه ثم يقتله في موضع خفي.

قوله: ((لا يفتك)) ((تو)): هو خبر معناه النهي أي لا يفعل ذلك؛ لأنه محرم عليه وهو ممنوع عنه، ويجوز فهي الجزم علي النهي، ومن الناس من يتوهم أنه علي بناء المفعول فيرويه كذلك، وليس بقويم رواية ومعنى.

<<  <  ج: ص:  >  >>