للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

٣٥٦٠ - وعن أبي هريرة: قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل وهو في المسجد، فناداه: يا رسول الله! إني زنيت، فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم، فتنحى لشق وجهه الذي أعرض قبله فقال: إني زنيت فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم فلما شهد أربع شهادات دعاه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((أبك جنون؟)) قال: لا. فقال: ((أحصنت)) قال: نعم يا رسول الله! قال: ((اذهبوا به فارجموه)) قال ابن شهاب: فأخبرني من سمع جابر بن عبد الله يقول: فرجمناه بالمدينة، فلما أذلقته الحجارة هرب حتى أدركناه بالحرة، فرجمناه حتى مات. متفق عليه.

ــ

شرعنا. قالوا: سؤاله صلى الله عليه وسلم ((ما تجدون في التوارة)): ليس لتقليدهم ولا لمعرفة الحكم منهم، وإنما هو لإلزامهم ما يعتقدونه في كتابهم، ولإظهار ما كتموه من حكم التوارة، وأرادوا تعطيل نصها ففضحهم بذلك، ولعله صلى الله عليه وسلم قد أوحى إليه أن الرجم في التوراة موجود في أيديهم، لم يغيروه كما غيروا أشياء، أو أخبر بذلك من أسلم منهم. فإن قيل: كيف رجمهما بما ذكرت اليهود من قولهم: إن رجلا منهم وامرأة زنيا، إذ لا اعتبار بشهادتهم؟ قلنا: الظاهر أنهما أقرا بذلك أو شهد عليهما أربعة من المسلمين؛ لاحتمال ما جاء في سنن أبي داود وغيره: ((أنه شهد عليهما أربعة أنهم رأوا ذكره في فرجها)).

الحديث السادس عن أبي هريرة رضي الله عنه: ((فتنحى لشق وجهه)) ((حس)): أي قصد الجهة التي إليها وجهه ونحا نحوها من قولك: نحوت الشيء أنحوه. قوله: ((أربع شهادات)) ((شف)) أي أقر علي نفسه أربع مرات، كأنه شهد علي نفسه بإقراره بما يوجب الحد. قوله: ((أذلقته الحجارة)) ((فا)): أذلقه فذلق إذا أجهده حتى تفلق، وأذلقت الضب إذا صببت الماء في حجره ليخرج، والسنان المزلق الذي نفذ حتى صار نافذاً ماضياً أي مسته الحجارة بحدة طرفها.

((حس)): يحتج بهذا الحديث من يشترط التكرار في الإقرار بالزنا حتى يقام عليه الحد، ويحتج أبو حنيفة بمجيئه من الجوانب الأربعة علي أنه يشترط أن يقر أربع مرات في أربع مجالس، ومن لم يشترط التكرار قال: إنما رده مرة بعد أخرى لشبهة داخلة في أمره، ولذلك سأل فقال: ((أبك جنون؟)) فأخبر أن ليس به جنون، قال: ((أشربت خمراً؟)) فقام رجل فاستنكهه فلم يجد منه ريح الخمر، فقال: ((أزنيت؟)) قال: نعم فأمر به فرجم. فرده مرة بعد أخرى للكشف عن حاله لا أن التكرار فيه شرط. وفيه دليل علي أن المرجوم لا يشد ولا يربط ولا يجعل في الحفرة، لأنه لو كان شيء من ذلك لم يمكنه الفرار والهرب. واختلفوا فيه، فقال قوم: لا يحفر مطلقاً. وقيل: يحفر للمرأة لا للرجل.

((مح)): إنما قال: ((أبك جنون؟)) لتحقق حاله؛ فإن الغالب أن الإنسان لا يصبر علي إقرار ما يقتضى إهلاكه، مع أن له طريقاً إلي سقوط الإثم بالتوبة، وهذا مبالغة في تحقيق حال المسلم

<<  <  ج: ص:  >  >>