للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

((شعب الإيمان)): ((من أعان علي خصومة لا يدري أحق أم باطل؛ فهو في سخط الله حتى ينزع)).

٣٦١٢ - وعن أبي أمية المخزومي: أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بلص قد اعترف اعترافاً، ولم يوجد معه متاع. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما إخالك سرقت)). قال: بلي، فأعاد عليه مرتين أو ثلاثاً، كل ذلك يعترف، فأمر به فقطع، وجيء به فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((استغفر الله، وتب إليه)). فقال: استغفر الله، وأتوب إليه، فقال رسول الله

ــ

((شف)): ويجوز أن يكون المعنى أسكنه الله ردغة الخبال ما لم يخرج من إثم ما قال، فإذا خرج من إثمه أي إذا استوفي عقوبة إثمه لم يسكنه الله ردغة الخبال، بل ينجيه الله تعالي منه ويتركه.

أقول: ((حتى)) علي ما ذهب إليه القاضي غاية فعل المغتاب، فيكون في الدنيا فيجب التأويل في قوله: ((أسكنه الله ردغة الخبال)) بسخط الله تعالي وغضبه الذي هو سبب في إسكانه ردغة الخبال، يؤيده القرينة السابقة واللاحقة؛ لأن النزع في القرينة الأولي مفسر بترك الخصومة الباطلة، وعلي هذا في الثالثة، والحيلولة بالشفاعة أعظمها؛ لأنها مضادة الله تعالي ولم يذكر فيه النزع. ثم الاغتياب لوضع المسبب موضع السبب تصويراً لتهجن أمر المغتاب، وكأنه فيها الآن. – والله أعلم.

الحديث الثاني عن أبي أمية: قوله: ((ما إخالك سرقت)) ((قض)): إخال من خال يخال إذا ظن. والعرب يكسرون الهمزة فيه غير بني أسد، فإنهم يفتحونها علي القياس، وبهذا الحديث يستشهد علي أن للإمام أن يعرض للسارق بالرجوع، فإن رجع بعد الاعتراف قبل الحكم لا يسقط الحد كما في الزنا، وهو أصح القولين المحكيين عن الشافعي رضي الله عنه.

ولمن زعم أن السرقة لا تثبت بالإقرار مرة واحدة – كأحمد وأبي يوسف وزفر – أن يتمسك به أيضاً؛ لأنه لو ثبت بإقراره الأول لوجب عليه إقامة الحد ويحرم تلقينه بالرجوع؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن عمر: ((تعافوا في الحدود فيما بينكم، فما بلغني من حد فقد وجب)). وجوابه أنه صلى الله عليه وسلم إنما لقنه لما رأي أن له مخرجاً عنه بالرجوع، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن كان له مخرجاً فخلوا سبيله)) وإنما لم يجب حيث لم يكن له مخرج.

((خط)): وجه قوله صلى الله عليه وسلم: ((ما إخالك سرقت)) عندي أنه ظن بالمعترف غفلة عن السرقة وأحكامها أو لم يعرف معناها، فأحب أن يتبين ذلك منه يقيناً، وقد نقل تلقين السارق عن جماعة من الصحابة. أقول: ويمكن أن يقال: إنه صلى الله عليه وسلم ظن ما ظن لما اعترف الرجل ذلك الاعتراف، والحال أنه لم يوجد معه متاع أي متاع ما، فإن هذه الإمارة كافية في الظن بالخير بالمسلمين.

<<  <  ج: ص:  >  >>