أمر دينكم فخذوا به؛ وإذا أمرتكم بشيء من رأيي، فإنما أنا بشر)) رواه مسلم [١٤٧].
١٤٨ - وعن أبي موسى، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنما مثلي ومثل ما بعثني الله به كمثل رجل أتى قوماً، فقال: يا قوم! إني رأيت الجيش بعيني، وإني أنا النذير العريان! فالنجاء النجاء. فأطاعه طائفة من قومه فأدلجوا، فانطلقوا على مهلهم،
ــ
في رواية أحمد: ((والظن يخطئ ويصيب)). وفي الحديث دلالة على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما التفت إلى الأمور الدنيوية قط، وما كان على بال منه، سوى الأمور الأخروية.
الحديث التاسع عن أبي موسى: قوله: ((إنما مثلى)) ((قض)): المثل الصفة العجيبة الشأن، أي صفتي وصفة ما بعثني الله به من الأمر العجيب الشأن كصفة رجل أتى قوماً وشأنه. و ((النذير العريان)) مثل سائر يضرب لشدة الأمر، ودنو المحذور، وبراءة المحذر عن التهمة، وأصله أن الرجل إذا رأى العدو قد هجم على قومه وأراد أن يفاجئهم وكان يخشى لحقوهم عند لحوقه تجرد عن ثوبه وجعله على رأس خشبة وصاح، ليأخذوا حذرهم، ويستعدوا قبل لحوقهم. و ((النجاء)) – بالمد – مصدر نجا إذا أسرع، يقال ناقة ناجية أي مسرعة، ونصبه على المصدر، أي انجوا النجاء، أو على الإغراء. و ((أدلجوا)) أي ساروا في الدلجة – وهي الظلمة – والدلجة أيضاً السير في الليل. وكذا الدلج – بفتح اللام – وادلجوا – بتشديد الدال – ساروا آخر الليل. والمهل – بالتحريك – الهينة والسكون، وبالسكون الإمهال. و ((اجتاحهم)) استأصلهم وأهلكهم. و ((الجائحة)) الهلاك، وسمى بها الآفة لأنها مهلكة.
روى الشيخ محيي الدين عن القاضي عياض: المعروف في صحيح البخاري إذا أفرد النجاء مد، وحكى أبو زيد فيه القصر أيضاً. أما إذا كرر ففيه المد والقصر أيضا. وقال محيي الدين: في جميع نسخ مسلم: ((مهلتهم)) بضم الميم وإسكان الهاء وبتاء بعد اللام، وفي الجمع بين الصحيحين:((مهلهم)) بحذف التاء وفتح الميم والهاء، وهما صحيحان.
أقول: التشبيه من التشبيهات المفرقة، شبه ذاته عليه الصلاة والسلام بالرجل، وما بعثه الله من إنذار القوم بعذاب الله القريب بإنذار الرجل قومه: بالجيش المصبح، وشبه من أطاعه من أمته ومن عصاه بمن كذب الرجل في إنذاره وصدقه. وفي قول الرجل: أنا النذير إلى آخره أنواع من التأكيد، أحدها بعيني؛ لأن الرؤية لا يكون إلا بها. وثانيها قوله:((وأنا))، وثالثها العريان؛ فإنه دل على بلوغ النهاية في قرب العدو، وفي ذلك تنبيه على أنه الذي يختص في إنذاره بالصدق، والذي لا شبهة فيه، وهو الذي يحرص جداً على خلاص قومه من الهلاك. قال في