عرف الحق فجار في الحكم؛ فهو في النار، ورجل قضى للناس علي جهل, فهو في النار)) رواه أبو داود, وابن ماجه. [٣٧٣٥]
٣٧٣٦ - وعن أبي هريرة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من طلب قضاء المسلمين حتى يناله, ثم غلب عدله جوره؛ فله الجنة. ومن غلب جوره عدله؛ فله النار)). رواه أبو داود. [٣٧٣٦]
ــ
الحديث الرابع عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((حتى يناله)) غاية الطلب و ((حتى)) للتدرج, فيفهم منه أنه بالغ في الطلب وبذل المجهود فيه ثم ناله, فمثل هذ موكول إلي نفسه فلا ينزل عليه ملك يسدده. وقال في الحديث السابق: ((من ابتغى القضاء وسأل وكل إلي نفسه)) فكيف الجمع بينهما؟ ويمكن أن يقال: إن الطالب رجلان رجل مؤيد بتأييد الله محدث ملهم, كالصحابة ومن بعدهم من التابعين, فإذا طلبه بحقه فمثل هذا لا يكون موكلا إلي نفسه وهو يقضي بالحق. وهذا هو الذي غلب عدله جوره, ورجل ليس كذلك وهو الذي وكل إلي نفسه فيغلب جوره عدله. ((تو)): سبق إلي فهم بعض من لا يتحقق القول, أن المراد من الغلبة أن يزيد ما عدل فيه علي ما جار, وهذا باطل.
أقول: وفي تأويله وجوه أحدها: ((تو)): المراد من الغلبة في كلتا الصيغتين أن تمنعه إحداهما عن الأخرى فلا يجوز في حكمه ولا يعدل. وثإنيها: ((مظ)): من قوى عدله بحيث لا يدع أن يصدر منه جور. وثالثها: ((قض)): الإنسان خلق في بدء فطرته بحيث يقوى علي الخير والشر والعدل والجور, ثم إنه يعرض له دواع داخلة وأسباب خارجة, تتعارض وتتصارع فيجذبه هؤلاء مرة وهؤلاء أخرى, حتى يفضي التطارد بينهما إلي أن يغلب أحد الجزئين ويقهر الآخر فينقاد له بالكلية ويستقر ما يدعوه إليه, فالحاكم إن وفق له حتى غلب له أسباب العدل, وتمكن فيه دواعيه صار بشراشره مائلا إلي العدل, مشغوفا به متحاشيا عما ينافيه فنال به الجنة, وإن خذل بأن كان حاله علي خلاف ذلك, جار بين الناس ونال بشؤمه النار.
أقول: قد سبق أن الطالب رجلان: محدث ملهم وغير ذلك, فالملهم من غلب لمة الملكية علي لمة الشيطإنية, فإذا عن له حكم وقضى بين الناس يستمر علي ذلك ويجري قضاؤه علي المنهج. وهو المراد من قوله: ((ثم غلب عدله جوره)) ((فثم)) فيه كما في قوله تعالي: {إنَّمَا المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ ورَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا} المعنى ثم ثبتوا علي الإقرار ومقتضياته,