للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٣٧٣٤ - وعن أنس, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من ابتغى القضاء وسأل؛ وكل إلي نفسه, ومن أكره عليه؛ أنزل الله عليه ملكا يسدده)) رواه الترمذي، وأبو داود، وابن ماجه. [٣٧٣٤]

٣٧٣٥ - وعن بريدة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((القضاة ثلاثة: واحد في الجنة, واثنان في النار. فأما الذي في الجنة؛ فرجل عرف الحق فقضى به, ورجل

ــ

الثالث: ((شف)) *:يمكن أن يقال: المراد منه أن من جعل قاضيا فينبغي أن [يموث] ** جميع دواعيه الخبيثة وشهواته الرديئة, فهو مذبوح بغير سكين.

أقول: فعلي هذا القضاء مرغوب فيه ومحثوث عليه, وعلي الوجهين الأولين تحذير علي الحرص عليه, وتنبيه علي التوقي منه لما تضمن من الأخطار المردية والله أعلم. ((مظ)) ... :خطر القضاء كثير وضرره عظيم؛ لأنه قلما عدل القاضي بين الخصمين؛ لأن النفس مائلة إلي من تحبه أو تخدمه أو من له منصب يتوقع جاهه أو يخاف سلطته, وربما يميل إلي قبول الرشوة وهو الداء العضال.

الحديث الثاني عن أنس رضي الله عنه: قوله: ((من ابتغى القضاء وسأل)) إنما جمع بينهما إظهارا لحرصه؛ فإن النفس مائلة إلي حب الرياسة وطلب الترفع علي الناس, فمن منعها سلم من هذه الآفة, ومن اتبع هواها وسأل القضاء هلك, فلا سبيل إلي الشروع فيه إلا بالإكراه, وفي الإكراه قمع هوى النفس فحينئذ يسدد ويوفق لطريق الصواب. والي هذا نظر من قال: من جعل قاضيا فينبغي أن يموث جميع دواعيه الخبيثة وشهواته الرديئة.

الحديث الثالث عن بريدة: قوله: ((ورجل عرف الحق)) قرينه لقوله: ((فأما الذي في الجنة)) وترك أداة التفصيل فيها ظاهرا؛ لئلا يسلكها في مسلك واحد لبعد ما بينهما. وإنما قلنا: ظاهرا: لأن التقدير: فأما الذي في النار فرجل كذا, نحوه قوله تعالي: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الفِتْنَةِ وابْتِغَاءَ تَأَوِيلِهِ ومَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلَاّ اللَّهُ والرَّاسِخُونَ فِي العِلْمِ} أي فأما الراسخون فيقولون, وهو من فصيح الكلام وبليغه.

والفاء في قوله: ((فرجل)) جواب ((أما)) وفي ((فقضى)) مسبب عن ((عرف)) والسبب والمسبب صفة ((رجل)) والفاء في ((فجار)) مثلها في ((فقضى)) لكن علي التعكيس, يعني عرفان الحق سبب لقضاء الحق, فعكس وجعله مسببا للجور كقوله تعالي: {وتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} أي تجعلون شكر رزقكم التكذيب, وهو موجب للتصديق, وقوله: ((فهو في النار)) خبر ((رجل)) وهو جواب ((أما)) المقدرة علي أن المبتدأ نكرة موصوفة, و ((علي جهل)) حال من فاعل ((قضى)) أي قضى للناس جاهلا.

<<  <  ج: ص:  >  >>