٣٧٥٩ - وعن ابن مسعود, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من حلف علي يمين صبر وهو فيها فاجر يقتطع بها مال امرئ مسلم, لقي الله يوم القيامة وهو عليه غضبان)). فأنزل الله تصديق ذلك: {إنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً} إلي آخر الآية. متفق عليه.
ــ
فيعلة من البينونة أو البيان. ((مح)): هذا الحديث قاعدة شريفة كلية من قواعد إحكام الشرع, ففيه لأنه لا يقبل قول الإنسان فيما يدعيه بمجرد دعواه, بل يحتاج إلي بينة أو تصديق المدعى عليه, فإن طلب يمين المدعى عليه فله ذلك, وقد بين صلى الله عليه وسلم الحكمة من كونه لا يعطى بمجرد دعواه؛ لأنه لو أعطي بمجردها لادعى قوم دماء قوم وأموالهم واستبيح, ولا يتمكن المدعى عليه من صون ماله ودمه.
وفيه دلالة لمذهب الشافعي والجمهور علي أن اليمين تتوجه علي المدعى عليه, سواء كان بينه وبين المدعي اختلاط أم لا. وقال مالك وأصحابه والفقهاء السبعة وفقهاء المدينة: إن اليمين لا تتوجه إلا علي من بينه وبينه الخلطة؛ لئلا يبتذل السفهاء أهل الفضل بتحليفهم مرارا في اليوم الواحد؛ فاشترطت الخلطة دفعا لهذه المفسدة. واختلفوا في تفسير الخلطة فقيل: هي معرفته بمعاملته ومداينته بشاهد أو شاهدين. وقيل: تكفي الشبه. وقيل: هي أن تليق به الدعوى بمثلها علي مثله. ودليل الجمهور هذا الحديث, ولا أصل لتلك الشرطة في كتاب ولا سنة ولا إجماع.
الحديث الثاني عن ابن مسعود: قوله: ((علي يمين)) ((نه)): الحلف هو اليمين فخالف بين اللفظين تأكيد لعقده, وهذا أولي مما ذهب إليه الشيخ التوربشتي حيث قال: أقام اليمين مقام المحلوف عليه؛ لما جاء في حديث عبد الله بن إنيس في الفصل الثاني ((وما حلف حالف بالله يمين صبر)). ((مح)): يمين صبر بالإضافة. ((نه)): أي ألزم بها وحبس عليها, وكانت لازمة لصاحبها من جهة الحكم. وقيل لها: مصبورة, وإن كان صاحبها في الحقيقة هو المصبور؛ لأنه إنما صبر من اجلها أي حبس, فوصفت بالصبر وأضيف إليه مجازا.
قوله: ((فاجر)) فيه أن الكذب في الشهادة نوع من أنواع الفجور و ((يقتطع بها)) حال من الراجع إلي المبتدأ في ((فاجر)) فهي حال مؤكدة تصويرا لشناعتها, وهو المعنى باليمين الغموس, وذلك لأن من ارتكب هذه الجريمة قد بلغ في الاعتداء الغاية القصوى, حيث انتهك حرمة بعد حرمة إحداها: اقتطاع المال لم يكن له ذلك. والثانية: الاستحقاق بحرمة وجب عليه رعايتها, وهي حرمة الإسلام وحق الأخوة. والثالثة: الإقدام علي اليمين الفاجرة [وقوله: ((وهو عليه غضبان)) أي ينتقم منه لأن الغضب إذا أطلق علي الله كان محمولا علي الغاية.