تنبت كلأ. فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً، ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به)). متفق عليه.
ــ
به، وكذلك الناس قسمان: أحدهما من يقبل العلم وأحكام الدين، والثاني من لا يقبلهما هذا يوجب جعل الناس في الحديث على قسمين: أحدهما ينتفع به، والثاني: لا ينتفع. وأما في الحقيقة الناس على ثلاثة أقسام: فمنهم من يقبل العلم بقدر ما يعمل به، ولم يبلغ درجة الفتوى والتدريس وإفادة الناس، فهو القسم الأول، ومنهم من يقبل من العلم بقدر ما يعمل به، وبلغ أيضاً درجة الفتوى والتدريس وإفادة الناس، وهو القسم الثاني، ومنهم من لا يقبل العلم، وهو القسم الثالث.
أقول: اتفق الشارحون على الوجه الثاني، وظاهر الحديث ينصر الأول؛ لأن شطره الأول من التمثيل مركب من أمرين، وذلك أن ((أصاب منها طائفة)) معطوف على ((أصاب أرضاً)) والضمير في ((منها)) يرجع إلى مطلق الأرض المدلول عليه بقوله: ((أرضاً))، ثم قسمت الأرض الأولى – بحرف التعقيب في ((فكانت))، وعطف ((كانت)) على ((كانت)) – قسمين، فيلزم اشتمال الأرض الأولى على الطائفة الطيبة وعلى الأجادب، والثانية على عكسها، فالواو في ((وكانت)) ضمت وتراً إلى وتر، وفي ((أصابت)) شفعاً إلى شفع: نظيره قوله تعالى: {ومَا يَسْتَوِي الأَعْمَى والْبَصِيرُ (١٩) ولا الظُّلُمَاتُ ولا النُّورُ} وقوله تعالى: {إنَّ المُسْلِمِينَ والْمُسْلِمَاتِ}.
((الكشاف)): الفرق بين عطف الإناث على الذكور، وعطف الزوجين على الزوجين أن الإناث والذكور جنسان مختلفان، إذا اشتركا في حكم لم يكن بد من توسطة العاطف بينهما، وأما العطف الثاني فمن عطف الصفة على الصفة بحرف الجمع، وكان معناه أن الجامعين والجامعات لهذه الطاعات أعد الله لهم.
وأيضاً أن أصل التمثيل مركب من أمرين: الهدى، والعلم، لتغايرهما في الاعتبار، ويعضده مراعاة معنى التقابل بين الكلامين، من إثبات إنبات الكلأ، وإمساك الماء في أحدهما، ونفيهما في الآخر على سبيل الحصر بقوله عليه الصلاة والسلام، ثم تعقبهما بالتفصيل في قوله:((فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه)) إلى آخر الحديث؛ لأنه ذكر المثل فيه مرتين. ويؤيده ما ذكره الشيخ محيي الدين النواوي: أن ((رعوا)) بالراء من الرعي، هكذا هو في جميع نسخ مسلم، ووقع في البخاري:((وزرعوا)) وكلاهما صحيح – انتهى كلامه.
وإنما قلنا: هذه الرواية تؤيد ما ذكرنا؛ لأن في الكلام لفاً ونشراً، فإن ((رعوا)) مناسب لـ ((أنبت الكلأ، وفشربوا، وسقوا الأجادب، وأمسكت الماء))، فيكون الضمير في ((نفع الله بها)) لأرض ومعنى كلاهما صحيح؛ لأن ((زرعوا)) أيضاً متعلق بالأول لا بالأجادب، فإنها لا تكفي الشرب والسقي فضلا عن الزرع، فعلى هذا قد ذكر في الحديث الطرفان: العالي في الاهتداء، والغالي في الضلال، فعبر عمن قبل هدى الله والعلم بقوله:((فقه في دين الله – إلى آخره)) وكنى عمن أبى قبولها بقوله: ((لم يرفع بذلك رأساً)) وبقوله: ((لم يقبل هدى الله))؛ لأن الثاني عطف