١٥١ - وعن عائشة، قالت: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ)، وقرأ إلى:(ومَا يَذَّكَّرُ إلَاّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ). قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فإذا رأيت – وعند مسلم: رأيتم – الذين يتبعون ما تشابه منه؛ فأولئك الذين سماهم الله، فاحذروهم)) متفق عليه.
ــ
تفسيري للأول، وترك الوسط، وهو قسمان: أحدهما الذي انتفع بالعلم في نفسه فحسب، والثاني لم ينتفع هو بنفسه، ولكن نفع الغير.
وفي الحديث إشعار بأن الاستعدادات ليست بمكتسبة، بل هي مواهب ربانية يختص بها من يشاء، وكمالها أن يفيض الله عز وجل عليها من المشكاة النبوية، فإذا وجد من يشتغل بغير الكتاب والسنة وما والاهما علم أن الله لم يرد به خيراً، فلا يعبأ باستعداده الظاهر، وأن الفقيه هو الذي علم وعمل ثم علم، وفاقد أحدهما فاقد هذا الاسم، وان العالم العامل ينبغي أن يفيد الناس بعمله، كما يفيد بعلمه، ولو أفاد بالعمل فحسب لم يحظ منه بطائل، كأرض معشبة لا ماء فيها، فلا يمرأ مرعاها، ولو اقتصر على القول لأشبه السقي مجرداً من الرعي، فيشبه آخذه المستسقي، لو منعهما معاً كان كأرض ذات ماء وعشب حماها بعض الظلمة عن مستحقيها. قال:
ومن منح الجهال علما أضاعه ومن منع المستوجبين فقد ظلم.
الحديث الثاني عشر عن عائشة رضي الله عنها: قوله: ((هن أم الكتاب)) سميت بها لأنها بينة في نفسها، مبينة لما عداها من المتشابهات، فهي كالأصل لهما، كما سميت مكة أم القرى لدحو الأرض منها. قد افتقرنا في بيان هذا الحديث إلى الكشف عن المراد بالمحكم والمتشابه، فيتضح المحق من المبطل من أبواب التأويل، فنقول – وبالله التوفيق -: المراد بالمحكم ما اتضح معناه، والمتشابه بخلافه؛ لأن اللفظ الذي يفيد معنى إما أن يحتمل غيره أو لا، الثاني النص، والأول إما أن تكون دلالته على ذلك المعنى راجحة أو لا، والأول هو الظاهر، والثاني إما أن تكون مساوية أو لا، والأول هو المجمل، والثاني المؤول؛ فالمشترك بين النص والظاهر هو المحكم، وبين المجمل والمؤول هو المتشابه. هكذا ينبغي أن يقسم؛ لأنه تعالى أوقع المحكم مقابلا للمتشابه في قوله تعالى:((مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتَابِ وأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ)) وهو ما لم يتضح معناه، فالواجب أن يفسر المحكم بما يقابله مما يتضح معناه.
ويعضد ما ذكرنا أسلوب الآية، وهو الجمع بين التفريق والتقسيم. وذلك أنه تعالى لما فرق ما جمع في معنى الكتاب بأن قال:{مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتَابِ وأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} أراد أن يضيف إلى كل منهما ما يناسبهما من الحكم، قال أولا:{فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ} وثانياً: {والرَّاسِخُونَ فِي العِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا} وكان من الظاهر أن