٣٧٧٧ - وعن عبد الله بن إنيس, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن من أكبر الكبائر الشرك بالله, وعقوق الوالدين, واليمين الغموس, وما حلف حالف بالله يمين صبر, فأدخل فيها مثل جناح بعوضة, إلا جعلت نكتة في قلبه إلي يوم القيامة)). رواه الترمذي, وقال: هذا حديث غريب. [٣٧٧٧]
٣٧٧٨ - وعن جابر, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يحلف أحد عند منبري هذا علي يمين آثمة, ولو علي سواك أخضر إلا تبوأ مقعده من النار, أو وجبت له النار)). رواه مالك, وأبو داود, وابن ماجه. [٣٧٧٨].
ــ
يقتطع بها الحالف مال غيره. سميت غموسا لأنها تغمس صاحبها في الإثم ثم في النار وفعول للمبالغة. ((مظ)): قوله: ((فأدخل فيها)) أي فأدخل في تلك اليمين شيئا من الكذب.
أقال: ذكر صلى الله عليه وسلم ثلاثة أشياء وخص الأخيرة منها بالوعيد ليؤذن بأنها مثلها, وداخلة في أكبر الكبائر حذرا من احتقار الناس لها, وإنها ليست من الكبائر مثلها, ونحوه في الإلحاق قوله صلى الله عليه وسلم في حديث خريم بن فاتك: ((عدلت شهادة الزور بالإشراك بالله)) ومعنى الانتهاء في قوله ((إلي يوم القيامة)) أن اثر تلك النكتة التي هي من الرين يبقي أثرها إلي يوم القيامة, ثم بعد ذلك يترتب عليه وبالها والعقاب عليها, فكيف إذا كان كذبا محضا.
الحديث العاشر عن جابر: قوله: ((عند منبري هذا)) ((تو)): وجه ذكر المنبر فيه عند من يري ذلك تغليظا في اليمين ظاهر. وأما عند من لا يرى التغليظ يتأتي في شيء من الأزمنة والأمكنة, فالوجه فيه أن يقال: إنما جرى ذكر المنبر؛ لأنهم كانوا يتحاكمون ويتحالفون يومئذ في المسجد, فاتخذوا الجانب الأيمن منه وهناك المنبر محلا للأقضية, فذكر في الحديث علي ما كان. وارى هذا تأويلا حسنا لا يرى العدول عنه؛ لئلا يفتقر أن يعدل بالحلف بالله شيئا, واليمين الآثمة موجبة لسخط الله ونكاله علي أية صيغة كانت.
أقول: ولناصر القول الأول أن يقول: وصف المنبر باسم الإشارة بعد إضافته إلي نفسه ليس إلا للتعظيم, وان للمكان مدخلا في تغليظ اليمين. وقوله: ((أخضر)) تتميم لمعنى التحقير في السواك؛ لأنه لا يستعمل إلا يابسا, يعني أن مثل هذا المحلوف عليه الذي لا يعتد به لليمين, بل يعد لغوا بسبب العرف, ولا يؤاخذ بها إذا ترتب عليه هذا الوعيد الشديد لأجل هذا المكان الرفيع فكيف بما هو فوقه؟ وفيه أن الإيمان إنما تصير مغلطة بحسب المكان والزمان, لا بحسب المحلوف عليه وإن كان عظيما.