فإذا فيه:((بسم الله الرحمن الرحيم من محمد عبد الله ورسوله إلي هرقل عظيم الروم. سلام علي من اتبع الهدى، أما بعد، فإني أدعوك بداعية الإسلام. أسلم تسلم. وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين، وإن توليت فعليك إثم الأريسيين و {يَا أَهْلَ الكِتَابِ تَعَالَوْا إلي كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وبَيْنَكُمْ أَلَاّ نَعْبُدَ إلَاّ اللَّهَ ولا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا ولا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ فَإن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ})) متفق عليه. وفي رواية لمسلم، قال:((من محمد رسول الله)) وقال: ((إثم اليريسيين)) وقال: ((بدعاية الإسلام)).
ــ
وعظيم بصرى أميرها. والداعية مصدر بمعنى الدعوة كالعافية والعاقبة، ويروى ((بدعاية الإسلام)) أي بدعوته. وهي كلمة الشهادة التي يدعى إليها أهل الملل الكافرة.
قوله:((الأريسيين)) ((مح)): اختلفوا في ضبطة علي أوجه: أحدها: بيائين بعد السين. والثاني: بياء واحدة بعدها، وعلي الوجهين الهمزة مفتوحة والراء مكسورة مخففة. والثالث: بكسر الهمزة وتشديد الراء وياء واحدة بعد السين. ووقع في الرواية الثانية في مسلم، في أول صحيح البخاري ((إثم اليريسيين)) بياء مفتوحة في أوله ويائين بعد السين. ثم اختلفوا في المراد بهم علي أقوال: أصحها وأشهرها: أنهم الأكارون أي الفلاحون والزراعون، ومعناه أن عليك إثم رعاياك الذين يتبعونك وينقادون بانقيادك. ونبه بهؤلاء علي جميع الرعايا لأنهم الأغلب؛ ولأنهم أسرع انقياداً فإذا أسلم أسلموا وإذا امتنع امتنعوا.
وقد جاء مصرحاً به في رواية ((دلائل النبوة)) للبيهقي قال: ((عليك إثم الأكارين)). والثاني: أنهم النصارى وهم الذي اتبعوا أريس الذي ينسب إليه الأروسية من النصارى.
وفي هذا الكتاب جمل من القواعد وأنواع من الفوائد.
منها: أن قوله: ((سلام علي من اتبع الهدى)) فيه دليل لمذهب الشافعي وجمهور أصحابه أن الكافر لا يبدأ بالسلام.
ومنها: دعاء الكفار إلي الإسلام قبل قتالهم، وهو واجب والقتال قبله حرام، وإن لم يكن بلغتهم دعوة الإسلام.
ومنها: وجوب العمل بخير الواحد؛ لأنه بعثه مع دحية الكلبي وحده.
ومنها: استحباب تصدير الكلام بالبسملة وإن كان المبعوث إليه كافراً.
ومنها: جواز المسافرة إلي أرض العدو بآية أو آيتين أو نحوهما، والنهي عن المسافرة بالقرآن محمول علي ما إذا خيف وقوعه في أيدي الكفار. وجواز مس المحدث والكافر آية أو آيات يسيرة مع غير القرآن.