للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٣٩٦٧ - وعن قتادة، قال: ذكر لنا أنس بن مالك، عن أبي طلحة، أن نبي الله صلى الله عليه وسلم أمر يوم بأربعة وعشرين رجلاً من صناديد قريش، فقذفوا في طوى من أطواء بدر خبيث مخبث، وكان إذا ظهر علي قوم أقام بالعرصة ثلاث ليال، فلما كان ببدر اليوم الثالث أمر براحلته، فشد عليها رحلها، ثم مشى واتبعه أصحابه، حتى قام علي شفة الركى، فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم: ((يا فلان بن فلان! ويا فلان بن

ــ

أنفسهم عجزاً، قال: وللوجه الآخر وجه وهو أنه لما لم يجر [معهم] قتال بل عجزوا عن دفعهم والنجاة منهم، فرضوا بالأسر كأنهم قد صولحوا علي ذلك.

أقول: لما كان سلامة المسلمين من أولئك ومجازاتهم بالكف عنهم بعد ما أرادوا الغرة والفتك بهم من الأمور العظام، ولولا أن الله تعالي ألقى في قلوبهم الرأفة والرحمة بهم، وأن الله تعالي قهرهم وذبهم عنهم لم تحصل السلامة، أسند الفعلين إليه تعالي علي سبيل الحصر حيث قال: {وهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم} أي الكف إنما صدر منه تعالي لا منكم. ونظيره قوله تعالي: {ومَا رَمَيْتَ إذْ رَمَيْتَ ولَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} وإنما فصل الآية بقوله: {وكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا} وعداً لهم بجزاء ما صدر منهم من العفو بعد الظفر جبراناً لما نفي عنهم بالكلية إثباتاً للكسب بعد نفي القدرة.

الحديث الثامن عن قتادة: قوله: ((من صناديد)) ((نه)): صناديد قريش أشرافهم وعظماؤهم ورؤساؤهم، الواحد صنديد، وكل عظيم غالب صنديد. و ((الطوى)) في الأصل صفة فعيل بمعنى مفعول؛ ولذلك جمعوه علي الأطواء كشريف وأشراف، وإن كان قد انتقل إلي الاسمية. وقوله: ((خبيث مخبث)) أي فاسد مفسد لما يقع فيه. وفي الحديث: ((أعوذ بك من الرجس الخبيث المخبث)) الخبيث ذو الخبث في نفسه، والمخبث الذي أعوانه [خبث]. وقيل: هو الذي يعلمهم الخبث ويوقعهم فيه.

((تو)): فإن قيل: كيف التوفيق بين الطوى والقليب، والقليب البئر التي لم تطو؟ قلنا: يحتمل أن الراوي رواه بالمعنى ولم يدر أن بينهما فرقاً: ويحتمل أن الصحابي حسب أن البئر كانت مطوية وكانت قليباً. ويحتمل أن بعضهم ألقى في طوى، وبعضهم في قليب.

أقول: إنهم قد يطلقون علي حقيقة مقيدة بقيد اسم الحقيقة التي هي غير مقيدة بها توسعاً في الكلام، فإن المرسن اسم لأنف فيه رسن، وقد يطلق علي أنف الإنسان، وكذا المشفر

<<  <  ج: ص:  >  >>