فلان! أيسركم أنكم أطعتم الله ورسوله؟ فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا؛ فهل وجدتم ما وعدكم ربكم حقاً؟)) فقال عمر: يا رسول الله! ما تكلم من أجساد لا أرواح لها؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم:((والذي نفس محمد بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم)). وفي رواية:((ما أنتم بأسمع منهم، ولكن لا يجيبون)) متفق عليه. وزاد البخاري: قال قتادة: أحياهم الله حتى أسمعهم قوله، توبيخاً وتصغيراً ونقمة وحسرة وندماً.
ــ
والجحفلة اسم لشفة البعير والفرس، وقد يراد بهما شفة الإنسان، وعليه قوله تعالي في وجه:{طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ}. و ((العرصة)) كل موضع واسع لا بناء فيه، و ((شفة الركي)) أي حافة البئر، وهو جنس الركية وجمعها ركايا.
قوله:((أيسركم أنكم)) ((مظ)): أي هل تتمنون أن تكونوا مسلمين بعد ما وصلتم إلي عذاب الله. أقول: ينبغي أن يفسر هذا بما يترتب عليه قوله: ((فإنا قد وجدنا))؛ لأنه كالتعليل له، فالمسرة هنا مستعارة لضدها من الحزن والكآبة تهكماً وسخرية، كما أن البشارة في قوله تعالي:{فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} مستعارة لضدها، وكالتحية في قول الشاعر:
تحية بينهم ضرب وجيع
ومقام الشماتة والحسرة والنقمة يقتضيه؛ وينصره قول قتادة: أحياهم الله حتى أسمعهم قوله توبيخاً؛ فالمعنى أتحزنون وتتحسرون علي ما فاتكم من طاعة الله ورسوله أم لا؟ وتذكرون قولنا لكم: إن الله سيظهر دينه علي الدين كله، وينصر أولياءه ويخذل أعداءه، فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً.
قوله:((ما تكلم)) ((مظ)): ((ما)) استفهامية، ويجوز أن تكو موصولة.
أقول: علي الأول الاستفهام فيه معنى الإنكار، ومن في ((من أجساد)) زائدة؛ لأن في الاستفهام معنى النفي. وعلي الثاني ((ما)) مبتدأ و ((من)) بيان له، والخبر محذوف، أي الذين تكلمهم لا يسمعون كلامك، أو ((من)) زائدة علي مذهب الأخفش، وأجساد خبر له.
قوله:((ما أنتم بأسمع)) ((مح)) قال المازري: قيل: إن الميت يسمع عملا بظاهر هذا الحديث، وفيه نظر؛ لأنه خاص في حق هؤلاء، ورد عليه القاضي وقال: يحمل سماعهم علي ما يحمل عليه سماع الموتى في أحاديث عذاب القبر وفتنته التي لا مدفع لها. وذلك بإحيائهم أو إحياء جزء منهم يعقلون به ويسمعون في الوقت الذي يريده الله تعالي. قال الشيخ: هذا هو المختار.