فقال له: خيرهم – يعني أصحابك – في أسارى بدر: القتل والفداء علي أن يقتل منهم قابلا مثلهم)) قالوا: الفداء ويقتل منا. رواه الترمذي وقال: هذا حديث غريب. [٣٩٧٢]
ــ
بوحي سماوي لم تتوجه المعاتبة عليهم. وقد قال الله تعالي: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا واللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ واللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٦٧) لَوْلا كِتَابٌ مِّنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} ولما أظهر لهم شأن العاقبة بقتل سبعين منهم بعد غزوة أحد عند نزول قوله سبحانه: {أَوَ لَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا}.
وممن نقل عنه هذا التأويل من الصحابة علي رضي الله عنه فلعل عليا ذكر هبوط جبريل في شأن نزول هذه الآية وبيانها، فاشتبه الأمر فيه علي بعض الرواة.
وما جرأنا علي هذا التقدير سوى ما ذكرناه، وأن الحديث تفرد به يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن سفيان من بين أصحابه فلم يروه غيره، والسمع قد يخطئ، والنسيان كثيرا يطرأ علي الإنسان. ثم إن الحديث روى عنه متصلا وروى عن غيره مرسلا، وكان ذلك مما يمنع القول بظاهره.
أقول وبالله التوفيق: لا منافاة بين الحديث والآية، وذلك أن التخيير في الحديث وارد علي سبيل الاختبار والامتحان، ولله أن يمتحن عباده بما شاء، امتحن الله تعالي أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ إن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الحَيَاةَ الدُّنْيَا وزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ} الآيتين. وامتحن الناس بتعليم السحر في قوله تعالي:{ومَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ} امتحن الناس بالملكين وجعل المحنة في الكفر والإيمان، بأن يقبل العامل تعلم السحر فيكفر، ويؤمن بترك تعلمه، ولعل الله تعالي امتحن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بين أمرين: القتل والفداء، وأنزل جبريل عليه السلام بذلك هل هم يختارون ما فيه رشا الله تعالي من قتله أعداءه. أم يؤثرون الأعراض العاجلة من قبوله الفدية؟ فلما اختاروا الثاني عوتبوا بقوله:{مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى} ويعضده سبب النزول: روى مسلم والترمذي عن ابن عباس عن عمر رضي الله عنهم لما أسروا الأسارى يوم بدر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما: ((ما ترون في هؤلاء الأسارى؟)) فقال أبو بكر: يا رسول الله، بنو العم والعشيرة أرى أن تأخذ منهم فدية فتكون لنا قوة علي الكفار. فعسى أن يهديهم الله إلي الإسلام. فقال صلى الله عليه وسلم: ما ترى يا بن الخطاب؟ قلت: لا والله يا رسول الله! ما أرى الذي رأي أبو بكر، ولكني أرى أن تمكننا فنضرب أعناقهم؛ فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديده، فهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قاله أبو بكر، ولم يهو ما قلت، فلما كان من الغد فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر قاعدين يبكيان، فقلت: يا رسول الله! أخبرني من أي شيء تبكي