عهد، فلا يحلن عهداً ولا يشدنه، حتى يمضي أمده أو ينبذ إليهم علي سواء)) قال: فرجع معاوية بالناس. رواه الترمذي، وأبو داود. [٣٩٨٠]
٣٩٨١ - وعن أبي رافع، قال: بعثني قريش إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ألقي في قلبي الإسلام، فقلت: يا رسول الله! إني والله لا أرجع إليهم أبداً. قال:((إني لا أخيس بالعهد، ولا أحبس البرد، ولكن ارجع فإن كان في نفسك
ــ
قوله: ((فلا يحلن عهداً ولا يشدنه)) هكذا بجملته عبارة عن عدم التغيير في العهد فلا يذهب إلي اعتبار معإني مفرداتها. قوله:((علي سواء)) هو حال. ((خط)): أي يعلمهم أنه يريد أن يغزوهم وأن الصلح الذي كان بينهم قد ارتفع، فيكون الفريقان في علم ذلك علي السواء.
الحديث الرابع عن أبي رافع: قوله: ((ألقي في قلبي الإسلام)) فيه أن إلقاء الإسلام لم يتخلف عن الرؤية، وأنشد في معناه:
لو لم تكن فيه آيات مبينة كانت بداهته تنبئك عن خبره
فدل علي فراسته ودهائه ونظره الصائب. وأن في رسول الله صلى الله عليه وسلم سوى المعجزات ما لو نظر إليه الناظر الثابت النظر الفطن لآمن. وقوله:((والله لا أرجع إليهم أبداً)) كناية عن تمكن الإسلام من قلبه؛ ولذلك أكده بالقسم وذيله بقوله:((أبداً)) وإليه الإشارة بقوله: ((فإن كان في نفسك الذي في نفسك الآن فارجع)) كأنه أراد أن يظهر الإسلام بعد أخذه بمجامع قلبه، قيل له: لا تظهر لأنه متضمن لنقض العهد أو لضررك برجوعك إليهم.
قوله:((لا أخيس)) ((نه)): أي لا أنقضه. يقال: خاس بعهده إذا نقضه. وخاس بوعده إذا أخلفه.
قوله:((ولا أحبس البرد)) أي الرسل وهو جمع بريد. ((فا)): البريد في الأصل البغل وهي كلمة فارسية أي بريدة دم. وهو المحذوف الذنب لأن بغال البريد كانت محذوفة الأذناب، فعربت وخففت. ثم سمى الرسول الذي يركب البريد باسمه، والمسافة التي بين السكتين بريداً. والسكة الموضع الذي كان يسكنه الفيوج المرتبون من رباط أو قبة أو بيت أو نحو ذلك. وبعد ما بين السكتين فرسخان، وكان يرتب في كل سكة بغال.
أقول: المراد بالعهد هنا العادة الجارية المتعارفة بين الناس، من أن الرسل لا يتعرض لهم بمكروه، ويدل عليه قوله في الحديث الآتي بعده:((أما والله لولا أن الرسل لا تقتل)) الحديث. ألا ترى كيف صدر الجملة بلفظة ((أما)) التي هي من طلائع القسم ثم عقبها به دلالة علي أن