١٦٤ - وعن العرياض بن سارية, قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((أيحسب أحدكم متكئا على أريكته يظن أن الله لم يحرم شيئا إلا ما في هذا القرآن؟! ألا وإني
ــ
في الدين سوى القرآن, وثنى بتوبيخ من أنكر ذلك, وجعله متكبرا بطرا طاغيا, وثلث بما يشعر بالتعليل, وأن له أن يستقل بالأحكام, وربع ببيان صور معدودة تحقيقا للمطلوب كما مر. قوله: ((ومن نزل بقوم)) إلى آخره, أخرجه من سياق المبهمات, حيث لم يقل: لا يحل للمضيف أن لا يكرم ضيفه, وأبرزه في معرض الشرط والجزاء دلالة على أن ذلك ليس بمحرم, ولكنه خارج عن سمة أهل المروءة, وهدى أهل الإيمان, وليتأهل فاعله أن يخذل, ويستهجن فعله, ويجازى بكل قبيح.
فإن قلت: دلت هذه الصور على المحرمات, فأين ذكر ما أحله صلى الله عليه وسلم قلت: الأصل في الأشياء الإباحة إلا ما خصه الدليل؛ لقوله تعالى: {خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} فخصت منها أشياء بنص التنزيل, وبقي ما عداها في معرض التحليل, فخص منها بنص الحديث بعض, فبقي سائرها على أصل الإباحة, وكأنه صلى الله عليه وسلم نص على تحليلها, فلا يزيد ولا ينقص. والله أعلم.
الحديث الرابع عن العرباض: قوله: ((أيحسب)) ((شف)): ((يظن)) بدل من ((يحسب)) بدل الفعل من الفعل, و ((عن أشياء)) متعلق بلنهي فحسب, ومتعلق الأمر والوعظ محذوف, أي أمرت ووعظت بأشياء, ونهيت عن أشياء. أقول: يجوز أن يكون التكرار للتأكيد, كما في قوله تعالى: {لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا ويُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ} والواو في قوله: ((ألا وإني)) كالواو في ((وإنما حرام)) في الحديث السابق؛ لأن الهمزة في ((أيحسب)) للإنكار, وكذا في ((ألا)) فلمعنى أيحسب أحدكم أن الله خص المحرمات في القرآن؟ والحال أني قد حرمت, وأحللت, ووعظت. فأقحم حرف التنبيه المتضمن للإنكار بين الحال وعاملها, كما أقحم حرف الإنكار بين المبتدأ والخبر, في قوله تعالى: {أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ العَذَابِ أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِي النَّارِ} جاءت الهمزة مؤكدة معادة بين المبتدأ المتضمن للشرط وبين الخبر, ذكره الزجاج.
((مظ)) ((أو)): في قوله: ((أو أكثر)) ليس للشك, بل إنه صلى الله عليه وسلم كان يزداد علما طورا بعد طور, وإلهاما من قبل الله تعالى ومكاشفة لحظة بلحظة, فكوشف له أن ما أوتي من الأحكام غير القرآن مثله, ثم كوشف له بالزيادة متصلا به.