والله قد أمرت ووعظت ونهيت عن أشياء إنها لمثل القرآن أو أكثر, وإن الله لم يحل لكم أن تدخلوا بيوت أهل الكتاب إلا بإذن, ولا ضرب نسائهم, ولا أكل ثمارهم إذا أعطوكم الذي عليهم)) رواه أبو داود وفي إسناده: أشعث بن شعبة المصيصي, قد تكلم فيه. [١٦٤].
١٦٥ - وعنه, قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم, ثم أقبل علينا بوجهه فوعظنا موعظة بليغة, ذرفت منها العيون, ووجلت منها القلوب. فقال رجل:
ــ
أقول: يمكن أن يقال: ((أو)) هذه مثلها في قوله تعالى: {وأَرْسَلْنَاهُ إلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} أي بل يزيدون. وقوله: (إن الله لم يحل)) إلى آخر الحديث كناية عن عدم التعرض لهم بأبدانهم في المسكن والأهل والمال إذا أعطوا الجزية, وإنما وضع قوله: ((الذي عليهم)) موضوع الجزية ليؤذن بفخامة العلة, وبأن عدم التعرض معلل بأداء ما عليهم, ولو صرح بها لم يفخم.
الحديث الخامس عن العرباض: قوله: ((ذات يوم)) سبق معناه في حديث جبريل. ((تو)): ((بليغة)) أي بالغ فيها بالإنذار والتخويف, كقوله تعالى: {وقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغًا} ((قض)): البلاغة وجازة اللفظ وكثرة المعنى مع البيان. أقول: والأول هو الوجه, لقوله: ((ذرفت منها العيون)) , أي منها الدمع, وكان ذلك لاستيلاء الخشية على القلوب, وتأثير الرقة فيها.
أقول: فإسناد الذرف إلى العيون كإسناد الفيض إليها في قوله تعالى: {أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ} كأن أعينهم ذرفت مكان الدمع مبالغة فيها, وفائدة تقديم ((ذرفت العيون)) على ((وجلت القلوب)) ومقره التأخير – على ما قاله الشيخ – للإشعار بأن الموعظة أثرت فيهم, وأخذت منهم بمجامعهم ظاهرا وباطنا.
قوله: ((إنهما لم يذكرا الصلاة)) أي الترمذي وابن ماجه لم يأتيا بصدر الحديث, وهو قوله: ((صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم)) كما في المصابيح, فإنه افتتح بقوله: ((وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم)). قوله: ((موعظة مودع)) فائدة هذا القيد أن المودع عند الوداع لا يترك شيئا مما يهم المودع ويفتقر إليه إلا ويورده ويستقصي فيه.