يا رسول الله! كأن هذه موعظة مودع فأوصانا, فقال: ((أوصيكم بتقوى الله, والسمع والطاعة, وإن كان عبدا حبشيا, فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا؛ فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين, تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجد, وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة, وكل بدعة ضلالة)) رواه أحمد وأبو داود, والترمذي وابن ماجه إلا أنهما لم يذكرا الصلاة. [١٦٥]
ــ
قوله: ((والسمع والطاعة)) أي أوصيكم بقبول قول الأمير وطاعته, وبما أمركم به ولو كان أدنى خلق, وهذا وارد على سبيل المبالغة لا التحقيق, كما جاء: ((من بنى لله مسجدا ولو كمفحص قطاة)) يعني لا تستنكفوا عن طاعة من ولى عليكم ولو كان عبدا حبشيا, إذ لو استنكفتم عنه لأدى إلى إثارة الحروب, وتهيج الفتن, وظهور الفساد في الأرض, فعليكم بالصبر والمداراة حتى يأتي أمر الله. والفاء في ((فإنه)) للتسبيب, جعلت ما بعدها سببا لما قبلها, يعني من قبل وصيتي, والتزم تقوى الله, وقبل طاعة من ولي عليه, ولم تهيج الفتن – أمن بعدي مما يرى من الاختلاف الكثير, وتشعيب الآراء, ووقوع الفتن. ثم أكد تلك الوصية بقوله: ((فعليكم بسنتي)) على سبيل الالتفات, وعطف عليه قوله: ((وإياكم ومحدثات الأمور)) تقريرا بعد تقرير, أو توكيدا بعد توكيد. وكذا قوله: ((تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ)) تشديد على تشديد. والمراد بالخلفاء الراشدين أبو بكر, وعمر وعثمان, وعلي – رضي الله عنهم أجمعين -. ((تو)) ليس معناه انتفاء الخلافة عن غيرهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يكون في أمتي اثني عشر خليفة)) وإنما المراد تفخيم أمرهم, وتصويب رأيهم, والشهادة لهم بالتفوق فيما يمتازون به عن غيرهم. وإنما ذكر سنتهم في مقابلة سنته؛ لأنه علم أنهم لا يخطئون فيما يستخرجونه من سنته بالاجتهاد, ولأنه صلى الله عليه وسلم عرف أن بعض سنته لا تشتهر إلا في زمانهم, فأضاف إليهم دفعا لتوهم من ذهب إلى رد تلك السنة, فأطلق القول باتباع سنتهم سدا لهذا الباب. و ((النواجذ)) الأضراس, وقيل: الضواحك, وقيل: الأنياب, والعض بالنواجذ مثل في التمسك بهذه الوصية بجميع ما يمكن من الأسباب المعنية عليه, كمن يتمسك بشيء ثم يستعين عليه بأسنانه استظهارا للمحافظة.
((حس)): في الحديث دليل على أن واحد من الخلفاء الراشدين إذا قال قولا وخالفه غيره من