١٦٦ - وعن عبد الله بن مسعود, قال: خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا, ثم قال: ((هذا سبيل الله)) , ثم خط خطوطا عن يمينه وعن شماله, وقال: هذه سبل, على كل
ــ
الصحابة كان المصير إلى قوله أولى, وإليه ذهب الشافعي رضي الله عنه في القديم, قال: والحديث يدل على تفضيل الخلفاء الراشدين على غيرهم من الصحابة, وترتيبهم في الفضل كترتيبهم في الخلافة. والله أعلم.
الحديث السادس عن عبد الله قوله: ((خط لنا خطا)) أي خط لأجلنا تقريبا وتفهيما لنا؛ لأن التصوير والتمثيل إنما يسلك ويصار إليه لإبراز المعاني المحتجبة, ورفع الأستار عن الرموز المكنونة, لتظهر في صورة المشاهد المحسوس, فيساعد فيه الوهم العقل, ويصالحه عليه.
((قض)): ((سبيل الله)) هو الدين القويم والطريق المستقيم, وهما الاعتقاد الحق والعمل الصالح, وذلك لا تتعدد أنحاؤه, ولا تختلف جهاته, لكن له درجات ومنازل, يقطعها السالك بعلمه وعمله, فمن زلت قدمه وانحرف عن أحد هذه المنازل فقد ضل سواء السبيل, وتباعد عن المقصد والمقصود, ولا يزال سيره وسعيه يزيد له انهماكا في الضلالة, وبعدا له عن المرمى, إلا أن يتداركه الله بفضله فيلهمه أنه ليس على الطريق, هذا مقام التوبة, ثم ينكص على عقبيه حتى يلحق بالمقام الذي انحرف عنه, وهو الإنابة, ثم يأخذ منها في سلوك ما يليها, وهو السداد. ((مظ)) قوله: ((هذا سبيل الله, ثم خط خطوطا)) إشارة إلى القصد بين الإفراط والتفريط؛ لأن سبيل أهل البدع مائل إلى جانب من الحق, مثاله مسئلة القدر والجبر, فالجبري مائل عن طريق الحق بقوله: لا كسب ولا اختار للعبد, فإنه تفريط؛ لأنه يؤدي إلى إبطال الكتب والرسل, والقدري أيضا مائل عنه؛ لأنهم يجعلون الخلق خالقا لأفعالهم, فإنه إفراط لما يفضي إلى الشرك؛ فطريق أهل السنة هو القصد, لأنهم يقولون: إن كل ما يجري على العباد بقضاء الله وقدره, ويثبتون الكسب للعبد.
وأقول – والله أعلم -: ((هذا سبيل الله)) وقوله: ((هذا صراطي)) أضيف إلى رب العزة, وعرف تفخيما وتعظيما لشأنهما, ونكر حين نسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {إنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} {وإنَّكَ لَتَهْدِي إلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} مدحا, وثبوتها بشأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أي أنك على صراط, وتهدي إلى صراط, أي صراط الله العزيز الحميد, ثم عرف في قوله: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ} تعليما للعباد, وإرشادا لهم إلى طلب هذا البغية السنية, والرفعة العلية, والثبات عليها والمواظبة لها, ولرفعة شأنهما جيء بالفاء في قوله: {فَاتَّبِعُوهُ ولا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ}