للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٧٨ - وعن أبي سعيد الخدري, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أكل طيبا, وعمل في سنة, وأمن الناس بوائقه, دخل الجنة)) فقال رجل: يارسول الله! إن هذا اليوم لكثير في الناس؟ قال: ((وسيكون في قرون بعدي)) رواه الترمذي [١٧٨].

ــ

الضمير في البيضاء استعارة لسطوع براهين هذه الملة المستقيمة, ووضوح دلائلها القويمة مما له بياض ونقاوة.

الحديث السادس عشر عن أبي سعيد: قوله: ((من أكل طيبا)) ((تو)): أي حلالا, وعمل في موافقة سنة, وإنما نكرها لأن كل عمل يفتقر إلى معرفة سنة وردت فيه. و ((بوائقه)) مفسرة في بعض الأحاديث, فروى: ظلمه وغشه, وقيل: غوائله وشره, والبائقة الداهية. وقوله: ((إن هذا اليوم لكثير)) أي الذي تصفه, يحتمل أن الرجل قال ذلك حمدا لله تعالى وتحدثا بنعمته, ثم قال: ((وسيكون في قرون بعدي)) ليوقفه على أن ذلك غير مختص بالقرن الأول. ويحتمل أنه فهم من قوله: ((من أكل طيبا)) إلى آخر التحريض على الخصال المذكورة, والزجر عن مخالفته, ووجد الناس يتدينون بذلك, ويحرصون عليه, فخاف أن النبي صلى الله عليه وسلم اطلع على خلاف ذلك في مستقبل الأمر منهم, فأحب أن يستكشف عنه, فقال هذا القول, فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم منه ذلك, فأجابه صلى الله عليه وسلم بقوله: ((وسيكون في قرون بعدي) فاختصر الكلام اعتمادا على فهم السامع, وتحويلا للأمر المحذر.

وأقول: أراد الشيخ أن ((سنة)) نكرة وضعت موضع المعرفة لإرادة استغراق الجنس بحسب أفراده, كما في قوله تعالى: {ولَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلامٌ} ولم يقل: شجرا, إرادة تقصيها شجرة شجرة, حتى لا يبقى من جنس الشجر ولا واحدة إلا وقد بريت أقلاما. وفائدته أن كل عمل واجب ومندوب ومباح وردت فيه سنة ينبغي مراعاتها, حتى قضاءالحاجة, وإماطة الأذى عن طريق المسلمين فكل من راعاها بأسرها في حركاته سكناته فقد اتصف بهذه الخصلة. وأول الظرف بقوله: ((في موافقة سنة)) فقدر المضاف ليستقيم المعنى. ويمكن أن يقال: إنه وقع ((في سنة)) ظرفا للعمل إشعارا بأنها مكان العمل ومقره, فإن كل عمل لا يوقع في سنة فليس بعمل, ولا يعتد به. وقوله: ((من أكل طيبا)) يجوز أن يحمل على ظاهر الإخبار كما في الوجه الأول, وأن يحمل على معنى الأمر, والحث على فعل هذه الحال, والنهي عن أضدادها,

<<  <  ج: ص:  >  >>