١٧٩ - وعن أبي هريرة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنكم في زمان ترك نمكم عشر ما أمر به هلك, ثم يأتي زمان من عمل منهم بعشر ما أمر به نجا)) رواه الترمذي [١٧٩].
١٨٠ - وعن أبي أمامة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما ضل قوم بعد هدي كانوا عليه إلا أوتوا الجدل)) ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إلَاّ جَدَلاً بَلْ
ــ
كأن صلى الله عليه وسلم أشار بذلك إلى أن هذه الخلال شاقة يجب العمل بها, وقيل فاعلها, كقوله تعالى: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} فقال الرجل: إن مثل هؤلاء الشاكرين لكثير في يومنا هذا, فأتى بإن واللام تقريرا وتأكيدا لكلامه, فأجابه صلى الله عليه وسلم وقرر كلام الرجل, وعطف عليه الجواب, أي نعم هم كثيرون اليوم, وسيكون بعدي أي وسيكونون بعدي و ((بعدي)) على الوجه الأول محمول على التابعين ومن يلونهم, وعلى الثاني دونهم من الأمم القاصية, كما ورد في الحديث المشهور, والله أعلم.
الحديث السابع عشر عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((إنكم في زمان)) الجملة الشرطية بعد صفة لزمان, والراجع محذوف, أي من ترك منكم فيه. الشارحون: لا يجوز صرف هذا إلى عموم المأمورات, لما عرف أن أحدا لا يعذر إذا ترك ما عليه من الفرض المختص به, وإنما ورد في الأمر بالمعروف, والنهي عن المنكر, يعني إنكم في زمان عزة الدين, وظهور الحق, ونزول الوحي, ومشاهدات المعجزات, وبين ظهراني رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يعذر أحدكم في التهاون, بخلاف من يأتي بعدكم في زمان تشيع فيه الفتن, ويتوارى الحق, ويقل أنصار الدين.
وأقول: لعل هذا المعنى غير مناسب لباب التمسك بالكتاب والسنة, بل حمله على مامر في الحديث السابق – وهو قوله صلى الله عليه وسلم: ((من عمل في سنة)) على ما بيناه – كان أنسب, ويلزم منه معنى الأمر بالمعروف, أو النهي عن المنكر بالطريق الأولى, ويجري معنى قوله: ((مما أمر به)) في أمر الندب.
الحديث الثامن عشر عن أبي أمامة: قوله: ((أوتوا)) حال, و ((قد)) مقدرة, والمستثنى منه أعم عام الأحوال, وصاحبها الضمير المستقر في خبر ((كان)) , والمعنى ما ضل قوم مهديون كائنين على حال من الأحوال إلا على إيتاء الجدل. يعني من ترك سبيل الهدى وركب متن الضلال عارفا بذلك لابد أن يسلك طريق العناد واللجاج, ولا يتمشى له ذلك إلا بالجدل. فإن قلت: